وَقَدْ نَفى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالى الإيمانَ عَنْ مَنْ لَمْ يُحَكِّمُ النَّبِيَ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهِمْ نَفْيًا مُؤكَّدًا بِتَكَرُّرِ أَدَاةَ النَّفْيِ وَبِالقَسَم قالَ تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} .
قَالَ: وَتَأَمَّلْ مَا في الآية الأولى وَهِيَ قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} الآية، كَيْفَ ذَكَرَ النَّكِرَةَ وَهِيَ قَوْلُه: {شَيْءٍ} في سِيَاق الشَّرطِ وَهو قوله جَلَّ شَأْنُهُ: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} المفيدُ العُمُومِ فِيمَا يُتَصَوَّرُ التَّنَازُع فيه جِنْسًا وَقَدْرًا.
ثُمَّ تَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا في حُصُولِ الإيمانِ بِاللهِ واليومِ الآخر بقولهِ: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ثُمَّ قَالَ جَلَّ شَأْنه: {ذَلِكَ خَيْرٌ} فَشَيْءُ يُطْلِقُ اللهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَيْرٌ لا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ شَرٌّ أَبَدًا بَلْ هُوَ خَيْرٌ مَحْضٌ عَاجِلاً وَآجِلاً.
ثُمَّ قَالَ: {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، أي: عَاقِبةً في الدُّنْيَا والآخرةِ فَيُفِيدُ أَنَّ الرَّدَ إلى غَيْرَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ التَّنَازُع شَرٌّ مَحْضٌ وَأسْوأ عَاقِبةً في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عَكْسَ مَا يَقُولُهُ الْمُنَافِقُونَ: {إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} وَقَوْلِهِمْ: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} .
وَلِهَذَا رَدَّ اللهُ عليهم قَائِلاً: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} وَعَكْسُ مَا يَقُولُهُ القَانُونِيُّونَ مِنْ حُكْمِهِم عَلَى القَانُونِ بِحَاجَة العَالَم بَلْ ضَرُورَتِهم إلى التَّحَاكُمْ إِلَيْهِ وَهَذَا سُوءُ ظَن صِرْفٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - وَمَحْضُ اسْتنِقاصٍ لِبَيان الله ورَسوله والحكم عليه بعدم الكِفَايَةِ للنَّاسِ عِنْدَ التَّنَازِعُ وَسُوءِ العَاقِبَةِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِن هَذَا لازِمٌ لَهُمْ.
قالَ: وَقَدْ نَفَى اللهُ الإيمانَ عَنْ مَنْ أَرَادَ التحاكُم إلى غَيرِ مَا جَاء بهِ الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute