{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
فَانْظُرْ كَيْفَ سَجَّلَ تَعَالى عَلَى الحَاكِمِينَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهِ بالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالفِسْقِ وَمِنَ الْمُمْتَنَعِ أَنْ يُسَمِّي اللهُ سُبْحَانَهُ الحاكِمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كَافِرًا وَلا يَكُونُ كَافِرًا بَلْ هُوَ كَافر مُطْلَقًا إِمَّا كُفْرُ عَمَلٍ وَإِمَّا كُفْرُ اعْتِقَاد.
وَمَا جَاءَ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ في تَفْسِير هَذِهِ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الحَاكِمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كَافِرٌ إِمَّا كُفْرُ اعْتِقَادٍ نَاقِلٍ عَنْ الْمِلَّةِ وَإِمَّا كُفْرُ عَمَلٍ لا يَنْقُلِ عَنْ الْمِلَّةِ.
قَالَ: وَهَذِهِ الْمَحَاكِمُ الآن في كَثِيرٍ من أَمْصَارِ الإسْلامِ مُهَيَّأةٌ مَفْتُوحَةُ الأبْوَابِ وَالنَّاسُ إليها أَسْرَابٍ إثْرَ أَسْرَابٍ يَحْكُم حُكَّامُهَا بَيْنَهُمْ فِيمَا يُخَالِف حُكْمَ الكِتَابِ وَالسُّنةِ مِنْ أَحْكَامِ ذَلِكَ القَانُونِ وَتُلْزِمُهُمْ بِهِ وَتَحْتمهُ عَلَيْهم فأيُّ كُفْرٍ فَوقَ هَذا الكُفْرِ وَأيُّ مُنَاقَضَةٍ لِلشَّهَادَةِ بَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسَولُ الله بعدَ هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ نَسْأَلُ الله العِصْمَةَ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى قَوْلِهِ الثَّابِتُ في الحياة الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ. أهـ.
وَمِمَّا قِيلَ فِي الحَثِّ عَلَى التَمَسُّكِ بِالقُرآنِ الكَرِيمِ مَا قَالَهُ الصَّنْعَاني:
وَلَيْسَ اغْتِرَابُ الدِّينِ إلا كَمَا تَرَى ... فَهَلْ بَعْدَ هَذا الاغْتِرَابُ إِيَابُ
وَلَمْ يَبْقَ لِلرَّاجِي سَلامَةَ دَينِهِ ... سِوَى عُزْلَةٍ فِيهَا الْجَلِيسُ كِتَابُ
كِتَابٌ حَوَى كُلَّ العُلومِ وَكُلَّمَا ... حَوَاهُ مِنْ العلمِ الشَّريفِ صَوابُ
فَإِنْ رُمْتَ تَارِيخًا رَأَيْتُ عَجَائِبًا ... تَرَى آدَماً إذْ كَانَ وَهُوَ تُرَابُ
وَلاقِيتَ هَابِيلاً قَتِيلَ شَقِيقَهِ ... يُوَارِيهِ لَمَّا أَنْ رَآهُ غُرَابُ
وَتَنْظُرُ نُوحًا وَهُوَ في الفُلْكِ قَدْ طَغَى ... عَلَى الأَرْضِ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ عُبَابُ
وَإِنْ شِئْتَ كُلَّ الأَنْبِيَاءِ وَقَوْمَهُمْ ... وما قَالَ كُلُّ مِنْهُمُوا وَأَجَابُوا
وَجَنَّاتِ عَدْنٍ حُورَهَا وَنَعِيمَا ... وَنَارًا بِهَا لِلْمُشْرِكِينِ عَذَابُ