للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْلَةِ إِذَا أَخَذَ مَضَاجِعُهُمَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، ويَحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِين، وَيُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاثِين، لَمَّا سَأَلْتُهُ الْخَادِمَ وَشَكَتْ إِلَيْهِ مَا تُقَاسِيهِ مِنْ الطَّحْنِ وَالسَّعْي والْخِدْمَةَ فَعَلَّمَهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: «إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادَم» .

فَقِيلَ إِنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ وجَد قُوةً في عَمَله مُغْنِيَةً عَنْ خَادِمْ، قَالَ: وَسَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةِ - رَحِمَهُ الله تعالى - يَذْكُر أَثَرًا في هَذَا البَابِ، وَيَقُول: إنّ الملائكة لَمَّا أُمِروا بِحَمْلِ العَرْشِ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا كَيْفَ نَحْمِلُ عَرْشَكَ وَعَلَيْهِ عَظَمَتُكَ وَجَلالَكْ، فَقَالَ قُولُوا: لا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله.

فَلَمَّا قَالُوا حَمَلُوهُ حَتَّى رَأَيْتُ ابن أبي الدُّنْيَا قَدْ ذَكَر هَذَا الأَثَر بِعَيْنه عَنْ اللَّيْثِ بن سَعْد عَنْ مُعَاويةِ بن صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَشْيَخَتُنَا أَنَّهُ بَلَغَهُم أنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حِين كانَ عَرْشُه على الماءِ حملة العَرْشِ قَالُوا: رَبَّنَا لِمَ خَلَقْتَنَا؟ قَالَ: خَلَقْتُكمْ لِحَمْلِ عَرْشِي. قَالُوا: رَبَّنَا وَمَنْ يَقْوَى عَلَى حَمْلِ عَرْشِكَ وَعَلْيِهِ عَظَمَتُكَ وَجَلالُكَ وَوَقَارِكَ؟ قَالَ: لِذَلِكَ خَلقْتكم، فَأَعادُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ مِرَارًا فَقَالَ: قُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله فَحَمَلُوه.

قَالَ: وَهَذِهِ الكَلِمَةُ لَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيب في مُعَانَاةِ الأَشْغَالِ الصَّعْبَةِ وَتَحَمُّلِ المشاقِّ والدُّخُولِ على الْمُلوكِ وَمَنْ يُخَافُ، وَرُكُوب الأَهْوَالِ، وَلَهَا أَيْضًا تَأْثِير في دَفْعِ الفَقْر، قَالَ: وَمَبْنَى الدِّينِ عَلَى قَاعِدَتَيْنَ: الذِّكْرِ، وَالشُّكْرِ.

إِذا رُمْتَ أَنْ تَحْظَى بِعِزِّ بِرِفعَةٍ ... بِدُنْيَاكَ وَالأُخْرَى لِنَيْلَ السَّعَادَةِ

عَلَيْكَ بِذِكْرِ الله جَلَّ جَلالُهُ ... وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْفُلْ وَلَوْ قَدْرَ لَحْظَةِ

آخر:

إِلَهُ الوَرَى حَتْمٌ عَلَى النَّاسِ حَمْدُهُ ... لِمَا جَادَ مِنْ فَضْلٍ عَلَيْهِمْ بِلا مَنِ

وَلَيْسَ الْمُرادُ بِالذِّكْرِ مُجَرّدَ ذِكْرِ اللسانِ بَلْ الذِّكْرُ لِقَلْبِي وَاللِّسَانِي وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَته وَالإيمانَ بِهِ وَبِصِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلالِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بأنواعِ اْلَمْدِح وَذَلِكَ لا يَتِمُّ إلا بِتَوْحِيدِهِ فَذِكْرُه الْحَقِيقِي يَسْتَلْزِمُ ذِكْرَ نِعَمِهِ وَآلائِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلى خَلْقِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>