وقَدْ اشْتَرَطَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِين أَن لا يُظْهِرُوا أَعْيَادَهُمْ في دِيَارِ الْمُسْلِمِينْ فَكَيْفَ إِذَا أَظْهَرَها الْمُسْلِمُونَ؟ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بن الخَطَّاب: لا تَتَعَلَّمُوا رِطَانةَ الأَعَاجِمِ، وَلا تَدْخُلُوا عَلَى المشركين في كَنَائِسِهمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ الشُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَفْعَلُ مَا يُسْخِطُ اللهِ بِهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا هُوَ مِنْ شَعَائِرِهِمْ؟ وَقَالَ عُمَرُ: مَا تَعَلّمَ رَجُلٌ الفَارِسِيَّةَ إلا خَبَّ وَلا خَبَّ إلا نَقَضَتْ مَرُوءَتُهْ.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُ واحد من السَّلَفِ في قَوْلِهِ تَعَالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قَال: أَعْيَادُ الكُفَّارِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا في شُهُودِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْل فَكَيْفَ بِالأَفْعَالِ التِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِهَا؟!
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَشَبّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . وَفِي لَفْظ: «لَيْسَ مِنّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا» . وَهُوَ حَدِيثٌ جَيّدٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّشَبُّهِ - وَإِنْ كَانَ مِنْ العَادَاتِ فَكَيْفَ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ؟
وَقَالَ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله: اعْتِيَادُ اللّغَةِ يُؤَثِّر في العَقْلِ والخُلُقِ والدِّينِ تَأْثِيرًا قَوِيًّا بَيِّنًا بِحَسَبِ تِلْكَ اللُّغَةِ. وَقَالَ في اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ المستقيم: عن نافِع عَنْ ابنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُحْسِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بالعَرَبِيّة فَلا يَتَكَلّمُ بالعُجْمَةِ فَإِنَّهُ يُوَرّثُ النِّفَاق» .
قَالَ ابنُ القيمِ - رَحِمَهُ الله - عَلَى حَدِيث: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» أَي بالانْدِمَاجِ وَتَلاشَتْ شَخْصِيَّتُه فِيهم فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا عَنْ تَعْظِيمٍ وَإِكْبَارٍ لَهُمْ فَهُوَ لِذَلِكَ يُلْغِي شَخْصِيَّتَهُ وَيَتَلاشَى في شَخْصِيَّةِ الآخَرين، فَمَنْ تَشَبَّهَ بالرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ بِإلْغَاءِ شَخْصِيَّةِ الجاهليةِ السَّفِيهَةِ وَانْدِمَجِ في مَعْنَوِيَّةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ عِلْمًا وَعَمَلاً وَاعْتِقَادًا وَأَدَبًا، فَهُوَ بِلا شَكٍ مِنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute