النَّاس مِنْهُ، واستهزؤا بِه وَاتَّهَمُوهُ فِي دِينِِهِ وَعِلْمِهِ وَوَرَعِهِ، وَكَأَنَّهُ بِزَجْرِهِ وَنَهْيهِ حَرَّضَهُمْ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ لَوْلا أَنَّهُ لَذِيذٌ مَا كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهِ.
كَذَلِكَ الدَّاعِي إِذَا خَالَفَ فِعْلَهُ قَوْلَهُ، أَمَّا الائْتِمَار بِمَا سَيَأْمُرُهُمْ بِهِ أَوْلاً، وَالتَّخَلُّقُ بِمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَهُوَ وَاقِعٌ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ، وَأَقْرَبُ إِلَى إِذْعَانِ الرَّاغِبِينَ.
فَمَنْ لَمْ يُكَابِدْ قِيَامَ الليلِ وَسَهَرِهِ، فَكَيْفَ يُسْمَعُ مِنْهُ فَضْلَ قِيَامِ الليلِ، وَكَمَنْ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الأَعْمَالِ الْخَيْرِيْةِ وَالْمَشَارِيعِ الدِّينِيَّةِ، وَلا يُسَاهِمُ فِيهَا أَبَدًا، فَهَذَا لا يَقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَكُونُ مِمَّنْ يُعِينَ عَلَى سَبِّهِ، وَغِيبَتِهِ، لِمَا عَرِفْتَ مِنْ أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى صَالِحِ الأَعْمَالِ وَمَكَارِمِ الأَخْلاقِ تَرْبِيَة، وَالتَّرْبِيَة النَّافِعَة إِنَّمَا تَكُون بِالْعَمَل، لأنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقُدْوَةِ الصَّالِحَةِ وَالأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ، لا بُمُجَرَّدِ الْقَوْلِ.
يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَنْ الْمُسَوِّرِ بِنْ مخرمةِ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلُقُوا» . فوَاللهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَة فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: يَا نَبِيَّ اللهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، أَخْرَجَ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى تَنْحِرَ بُدَنَكَ وَتَدْعُو حَالِقَكَ فَيَحْلِقُكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدَنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ يَقْتِلُ بَعْضهُمْ بَعْضًا أَيْ ازْدِحَامًا وَغَمًّا.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَهْرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ فِي يَوْمِ صَائِفٍ مُشَاةٌ وَنَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ فَقَالَ: «اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ» . قَالَ: فأبوا. قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَيْسَرُكُمْ إِنِّي رَاكِبٌ» . فَأَبَوا، فَثَنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute