للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إِيمَانًا. قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} ، وَقَالَ: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} الآيَة.

وَإِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَرْفَعُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ دَرَجَةً وَأَعْلاهُمْ مَكَانًا بِشَهَادَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ فَلا عَجَبَ أَنْ يُعْلِنَ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - بِفَضْلِهِمْ وَيُحَذِّرُ مِنْ سَبِّهِمُ وَمَقْتِهِمْ، وَيَقُولُ فَيمَا رَوَى الترمذِيُّ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي لا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغِضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» .

وَيَقُولُ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهُمْ وَلا نصيفَهِ، فَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَشُكُ عَاقِلٌ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِي حَازُوا قَصَبَاتِ السَّبْق، وَاسْتَوْلُوا عَلَى مَعَالِي الأَمُورِ مِنَ الْفَضْلِ وَالْمَعْرُوفِ وَالصِّدِقِ وَالْعِفَّةِ، وَالْكَرَمِ وَالإِحْسَانِ، وَالْقَنَاعَةَ، وَعُلُوَ الْهِمَّةِ، وَالنَّزَاهَةَ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالتُّقَى وَالتَّوَاضُعِ، وَنَحْو ذَلِكَ.

فَالسَّعِيدُ مَنْ اتَّبَعَ طَرِيقَهُمْ، وَاقْتَفَى مَنْهَجُهُمْ الْقَوِيم، وَالشَّقِيُّ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ، وَلَمْ يَتَحَقَّقَ بِتَحْقِيقِهِمْ، فَأَيُ خِطَّةِ رُشْدِهِمْ لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهَا، وَأَيُ خُصْلَةٍ خَيْرٍ لَمْ يُسْبِقُوا إِلَيْهَا، لَقَدْ وَرَدُوا يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ عَذْبًا صَافِيًا زُلالاً.

وَوَطَّدُوا قَوَاعِدَ الدِّينِ، وَالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَدْعَوا لأَحَدٍ بَعْدَهُمْ مَقَالاً.

فَتَحُوا الْقُلُوبَ بِالْقُرَآنِ، وَالذِّكْرِ وَالإِيمَانِ، وَالْقُرَى بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ. وَبَذلُوا النُّفُوسَ النَّفِيسَة فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِمْ، فَلا مَعْرُوفَ إِلا مَا عُرِفَ عَنْهُمْ، وَلا بُرْهَانَ إِلا مَا بِعُلُومِهِمْ كُشِفَ، وَلا سَبِيلَ نَجَاةَ إِلا مَا سَلَكُوهُ وَلا خَيْرَ سَعَادَةٍ إِلا مَا حَقَّقُوهُ وَحَلَّوهُ فَرِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهمْ، مَا تَحَلَّتِ الْمَجَالِسُ بِنَشْرِ ذِكْرِهِمْ، وَمَا تَنَمَّقَتِ الطُّرُوفُ بِعُرْفِ مَدْحِهِمْ وَشُكْرِهِمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>