وَكَانَ فِي طَلِيعَةِ هَؤلاءِ الْبَرَاءُ بن مَالِكِ الأَنْصَارِي وَنَفَرٌ مِنْ كُُمَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْتَقَى الْجَيْشَانِ فِي أَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ رَجَحَتْ كَفَّةُ مُسَيْلِمَة وَأَصْحَابِهِ وَزُلْزَلَتْ الأَرْضُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْمُسْلِمِينَ وَطَفِقُوا يَتَرَاجَعُونَ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ حَتَّى اقْتَحَمَ قَوْمُ مُسَيْلَمَة وَمَنْ مَعَهُ فَسْطَاد خَالِدِ بن الْوَلِيدِ وَاقْتَلَعُوهُ مِنْ أُصُولِهِ.
عَنْدَ ذَلِكَ شَعَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَطَرِ الدَّاهِمِ وَأَدْرَكُوا أَنَّهُمْ إِنْ يُهْزَمُوا أَمَامَ مُسَيْلَمَة فَلَنْ تَقُومَ لِلإِسْلامِ قَائِمَةً، وَهَبَّ خَالِدٌ إِلَى جَيْشِهِ فَأَعَادَ تَنْظِيمِهِ فَمَيَّزَ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ الأَنْصَارِ، وَمَيَّزَ أَبْنَاء الْبَوَادِي عَنْ هَؤلاءِ وَهَؤلاءِ، وَجمَعَ أَبْنَاءَ كُلَّ أَبٍّ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ لِيُعْرَفَ بَلاءُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، وَلْيُعْلَمْ مِنْ أَيْنَ أَتَى الْمُسْلِمُونَ.
ثُمَّ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ مَعْرَكَةً ضَرُوسٍ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا نَظِيرٌ، وثَبَتَ قَوْمُ مُسَيْلَمَة فِي سَاحَاتِ الْوَغَى ثُبُوتَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ وَلَمْ يُبَالُوا بِكَثْرَةِ مَا قُتِلَ مِنْهُمْ، وَأَبْدَى الْمُسْلِمُونَ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْبُطُولَةِ مَا لَوْ جُمِعَ لكَانَ مَلْحَمَة مِنْ رَوَائِعِ الْمَلاحِمِ.
فَهَذَا ثَابِتٌ بن قَيْس حَامِلُ لِوَاءَ الأَنْصَارِ يَتَحَنَّطُ وَيَتَكَفَّنُ وَيَحْفُرُ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً فِي الأَرْضِ فَيَنْزِلُ فِيهَا إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَيَبْقَى ثَابِتًا يُجَالِدُ عَنْ رَايَةِ قَوْمِهُ حَتَّى خَرَّ صَرِيعًا شَهِيدًا.
وَهَذَا زَيْدُ بن الْخَطَّابِ أَخُو عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُنَادِي فِي الْمُسْلِمِينَ أَيُّهَا النَّاسُ عُضُّوا عَلَى أَضْرَاسِكُمْ وَاضْرِبُوا فِي عَدِوِّكَمْ وَامْضُوا قُدُمًا، أَيُّهَا النَّاسُ وَاللهِ، لا أَتَكَلَّمُ بَعَدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَبَدًا حَتَّى يُهْزَم مُسَيْلَمْة أَوْ أَلْقَى اللهُ فَأُدْلِي إِلَيْهِ بِحُجَّتِي، ثُمَّ كَرَّ عَلَى قَوْمِهِ فَمَا زَالَ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ.
وَهَذَا سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَحْمِلُ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ فَيَخْشَى عَلَيْهِ قَوْمُهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute