فَبَكَى الْمَنْصُورُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى نَحَبَ وَارْتَفَعَ صَوْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ احْتِيَالِي فِيمَا خُوِّلْتُ فِيهِ وَلَمْ أَرَ مِنَ النَّاسِ إِلا خَائِنًا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ بالأَئِمَّةِ الأَعْلامِ الْمُرْشِدِينَ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: الْعُلَمَاءُ. قَالَ: قَدْ فَرُّوا مِنِّي، قَالَ: هَرَبُوا مِنْكَ مَخَافَةَ أَنْ تَحْمِلَهُمْ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ طَرِيقَتِكَ مِنْ قِبَلِ عُمَّالِكَ.
وَلَكِنْ افْتَحْ الأَبْوَابَ وَسَهِّلِ الْحِجَابَ، وَانْتَصِرْ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، وَامْنَعْ الْمَظَالِمَ وَخُذْ الشَّيْءَ مِمَّا حَلَّ وَطَابَ وَاقْسِمْهُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَأَنَا ضَامِنٌ عَلَى أَنَّ مَنْ هَرَبَ مِنْكَ أَنْ يَأْتِيَكَ، فَيُعَاوِنَكَ عَلَى صَلاحِ أَمْرِكَ، وَرَعِيَّتِكَ. فَقَالَ الْمَنْصُورُ: اللَّهُمَّ وَفِّقَنِي أَنْ أَعْمَلَ بِمَا قَالَ هَذَا الرَّجُلَ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَخَرَجَ فَصَلَّى بِهُمْ.. إلخ.
شِعْرًا: ... مَا ضَرَّ مَنْ رَهِبَ الْمُلُوكَ لَوْ أَنَّهُ ... رَهِبَ الَّذِي جَعَلَ الْمُلُوكَ مُلُوكًا
وَإِذَا رَجَوْتَ لِنِعْمَةً أَوْ نِقْمَةً ... فَارْجُ الْمَلِيكَ وَحَاذِرْ الْمَمْلُوكَا
وَإِذَا دَعَوْتَ سِوَى الإلهِ فِإِنَّمَا ... صَيَّرْتُ لِلرَّحْمَنِ فِيكَ شَرِيكًا
آخر: ... وَاللهُ بِالْغَيْبِ، وَالتَّقْدِيرِ مُنْفَرِدٌ ... وَمَا سِوَى حُكْمِهِ غَيٌّ وَتَضْلِيلٌ
فَلا مُعَجِّلِ للمقضي آجله ... ولَيْسَ لِلْعَاجِلِ الْمقضي تَأْجِيلُ
ثِقْ بِالْعَلِيمِ الَّذِي يَقْضِي الأُمُورَ وَلا ... يَغْركَ مَا دُونَهُ؛ فَالْكُلُّ تَعْلِيلُ
اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ وَاغْفِرْ لَنَا.
اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَوَفِّقْنَا لِلْقِيَامِ بِحَقِّكَ وَبَارِكْ لَنَا فِي الْحَلالِ مِنْ رِزْقِكَ
وَلا تَفْضَحْنَا بَيْنَ خَلْقِكَ يَا خَيْرِ مَنْ دَعَاهُ دَاعٍ، وَأَفْضَلَ مَنْ رَجَاهُ رَاجٍ، يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ وَمُجِيبَ الدَّعَواتِ هَبْ لَنَا مَا سَأَلْنَاهُ وَحَقِّقْ رَجَاءَنَا فِيمَا تَمَنَّيْنَاهُ يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ أَذِقْنَا بَرْدَ عَفْوِكَ وَحَلاوَةَ مَغْفِرَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
شِعْرًا: ... زِيَادَةُ الْمَرِءِ فِي دُنْيَاهُ نُقْصَانٌ ... وَرِبْحُهُ غَيْر مَحْضِ الْخَيْرِ خُسْرَانُ
وَكُلُّ وِجْدَانِ حَظ لا ثَبَاتَ لَهُ ... فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي التَّحْقِيقِ فُقْدَانِ