وَأَمَّا قُدُومُ الْمُسِيئُ فَكَالْعَبْدِ الآبِقِ يُؤْخَذُ فَيَشُدّ كِتَافُهُ، فَيُؤْتَى بِهِ إِلَى سَيّدٍ فَظٍّ غَلِيظٍ، فَإِنَّ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ عَذَبَ! فَبَكَى سُلَيْمَانٌ بُكَاءً شَدِيدًا، وَبَكَى مَنْ حَوْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ: لَيْتَ شِعْرِي مَا لَنَا عِنْدَ اللهِ يَا أَبَا حَازِمٍ؟ فَقَالَ: اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ مَا لَكَ عِنْدَ اللهِ. قَالَ سُلَيْمَانٌ: يَا أَبَا حَازِمٍ وَأَيْنَ أُصِيبُ تَلْك الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: عِنْدَ قوله تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ*وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} .
قَالَ سُلَيْمَانٌ: يَا أَبَا حَازِمٍ فَأَيْنَ رَحِمَهُ اللهُ؟ قَالَ: «إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " قَالَ سُلَيْمَانٌ: يَا أَبَا حَازِمٍ: مَنْ أَعْقَلُ النَّاسِ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهَا النَّاسَ.
قَالَ سُلَيْمَانٌ: فَمَنْ أَحْمَقُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: مَنْ حَطَّ فِي هَوَى رَجُلٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنَيا غَيْرِهِ! قَالَ سُلَيْمَانٌ: فَمَا أَسْمَعُ الدُّعَاء؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: دُعَاءُ الْمُخْبِتِينَ الْخَائِفِينَ.
فَقَالَ سُلَيْمَانٌ: فَمَا أَزْكَى الصَّدَقَةِ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: جُهْدُ الْمُقِلّ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيمَا ابْتُلِينَا بِهِ؟ قَالَ: اعْفِنَا عَنْ هَذَا وَعَنْ الْكَلامِ فِيهِ أَصْلَحَكَ اللهُ. قَالَ سُلَيْمَانٌ: نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا. فَقَالَ: مَا أَقُولُ فِي سُلْطَانٍ اسْتَوْلَى عُنْوَةً بِلا مَشُورَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلا إجْتِمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسُفِكَتِ فِيهِ الدِّمَاءُ الْحَرَامُ، وَقُطِعَتْ بِهِ الأَرْحَامُ، وَعُطِّلَتْ بِهِ الْحُدُودَ، وَنُكِّثَتْ بِهِ الْعُهُودَ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَنْفِيذِ الطِّينَة، وَالْجَمْعِ وَمَاذَا يُقَالَ لَكُمْ!
فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا أَقْوَرُ!! أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُسْتَقْبَلُ بِهَذَا؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: أُسْكُتْ يَا كَاذِب، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ فِرْعَونَ هَامَانُ. وَهَامَانُ فَرْعَوْنَ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute