عَليٍّ أمِير المؤمنينَ الوَالِدِ الْفَانِي الذَّامِّ للدُّنْيَا السَّاكِن مَسَاكِنَ الْمَوْتَى، إِلى الْوَلَدِ الْمُؤمِّلِ مَا لا يُدْرَكُ السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، عُرْضَةُ الأَسْقَامِ وَرَهِينَةُ الأيامِ وأَسِير الْمَنَايَا وَقَرِينُ الرَّزَايَا وَصَرِيعُ الشَّهَوَاتِ وَنُصُب الآفاتِ وَخَلِيفَةُ الأَمْوَاتِ.
يا بُنيَّ إِنْ بَقيْتُ أو فَنِيْتُ فإني أُوصِيكَ بِتَقْوى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ والاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ فإنَّ الله يَقُولُ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} الآية وأيُّ سَبَبٍ يا بُنَيَّ أَوْثَقُ مِنَ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَبيْنَ اللهِ عزَّ وجلّ.
أَحْيي قلبَكَ بالمَوْعِظَةِ وَنَوِّرْهُ بالحِكْمَةِ وَقَوِّهِ بالزُهْدِ وَذَلِّلْهُ بالَمْوتِ وَقرّرْهُ بالفَنَاءِ وَحَذِّرْهُ صَوْلةَ الدَهْر وَتَقَلُّبَ اللَيَالي.
واعْرضْ عليهِ أَخْبَارَ الماضِينَ وَسِرْ في دِيارهِمْ وآثارِهْمْ فانظُرْ مَا فَعَلُوا وأيْنَ حَلُّوا فَإَنَكَ تَجِدُهُم قَدِ انْتَقَلُوا مِنْ دَارِ الغُرورِ وَنَزَلُوا دارَ الغُرْبَةِ.
شِعْرًا:
سَلِ الأَيَّامَ مَا فَعَلَتْ بِكِسْرى ... وقَيْصَرَ والقُصُورَ وَسَاكِنيْهَا
أما اسْتَدَعَتْهُم لِلْمُوتِ طُرًا ... فَلَمْ تَدَعِ الحَلِيمَ ولا السَّفيهَا
دَنَتْ نحَو الدَّني بسَهْمِ خطْبٍ ... فأصْمَتْهُ ولَمْ تدَعِ الوَجِيهَا
أَما لَوْ بِيعَتِ الدُّنْيَا بِفِلْسٍ ... أنِفْتُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَشْتَرِيهَا
وكأَنك عنْ قَليلٍ يا بُنيَ قد صِرْتَ كأحَدِهِمْ فبعْ دُنْيِاكَ بِآخِرَتِِكَ وَلاَ تَبعُ آخِرَتَك بدُنياكَ وَدَع القَوْلَ فِيمَا لا تَعْرفُ والأمْرَ فِيمَا لا تُكَلَّفُ وَمُرْ بالمعروفِ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ وَكُنْ مِن أَهْلِهِ وأَنْكِرِ المُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ وَبَايْنْ مَنْ فَعَلَهُ.
وَخضْ الغَمَرَاتِ إِلى الحَقِّ وَلاَ تَأخُذْكَ في اللهِ لَوْمَةُ لائِمَ واحْفَظْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute