للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْقِنا مِنْ حَوْضِ نَبيّك شرْبةَ هَنيئَةً لا نَظْمَأً بَعْدَهَا أَبَدًا حَتَّى نَدْخُلَ الجَنَّةْ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكْرِكِ وَشُكْرِكَ وَوَفِقْنَا لِمَا وَفّقْتَ لَهُ الصّالِحِينَ مِنْ خَلْقِكَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

موعظة: خطب عمرُ بنُ عبدِ العزيز آخرَ خطبةٍ خَطَبَهَا فَقَالَ فيهَا: أمَا بَعدُ: (إنكمْ لمْ تُخلقوا عَبَثًا، ولَنْ تُتْرَكُوا سُدَى، وإنَّ لَكُمْ مَعَادًا ينزلُ اللهُ فيهِ للفَصْلِ بينَ عبادِهِ، فقدْ خابَ وخسِرَ مَنْ خَرَجَ مِنْ رحمةِ اللهِ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء وَحُرِمَ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتِ وَالأرضُ، أَلا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ في أَسْلابِ الهَالِكِينَ، وَسَيَرِثُهَا بَعْدَكُمْ البَاقُونَ كَذَلِكَ حَتَّى تُرَدُّ إِلَى خَيْرِ الوَارِثِينَ، وَفي كُلِّ يَوْمٍ تَشَيِّعُونَ غَادِيًا وَرَائِحًا إِلَى اللهِ قَضَى نَحْبَهُ وَانْقَضَى أَجَلُهُ فَتَدَعُونَهُ في صَدْعٍ مِن الأَرْضِ غَيْرَ مُوَسَّدٍ وَلاَ مُمَهَّدٍ، قَدْ خَلَعَ الأَسْبَابَ، وَفَارَقَ الأَحْبَابَ، وَسَكَنَ التُرَابَ، وَوَاجَهَ الحِسَابَ، غَنِيَا عَمَّا خَلَفْ، فَقِيرًا إَلَى مَا أَسْلَفَ، فَاتَّقُوا اللهَ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ وَانْقِضَاءََ مَوَاقِيتِهِ، وَإِنِّي لأََقُولُ لَكُمْ هَذِِهِ الْمَقَالَةَ وَمَا أَعْلَمُ عِنْدَ أََحَدٍ مِنَ الذُّنُوبِ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْلَمُ عِنْدِِي، وَلَكِنْ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ طَرَفَ رِدَائِهِ وَبَكَى حَتَّى شَهَقَ ثُمَّ نَزَلَ، فَمَا عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ بَعْدَهَا حَتَّى مَاتَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.

شِعْرًا:

وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ ... وَلكِنَّ الْتَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ

وَتَقْوَى اللهُ خَيْرِ الزَّادِ ذِخْرًا ... وَعِنْدَ اللهَ لِلأتْقَى مَزِيدُ

وَمَا لاَبُدَّ أَنْ يَأْتَي قَرْيبٌ ... وَلَكِنَّ الذِّي يَمْضَي بَعِيدُ

آخر:

أَتَبْكِي لِهَذَا الْمَوْتِ أَمْ أَنْتَ عَارْف ... بِمَنْزِلَةٍ تَبْقَى وَفِيها المَتَالِفُ

كَأَنَّكَ قَدْ غُيِّبْتَ في اللَحْدِ والثَرَى ... فَتَلْقَى كَمَا لاَقَى القُرونُ السَّوَالِفُ

أَرَى الْمَوْتَ قَدْ أَفْنَى القُرون التي مَضَتْ ... فَلَمْ يَبْقَ ذُو أُلْفٍ يَبْقَ آلِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>