للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَآثارِهِ الجَليلةِ، وَكَانُوا خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيينَ وَكَانُوا أَشْجَعَ الناسِ لأنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الأجَلَ لاَ يُطِيلُهُ الجُبْنُ وَكَانُوا أَغْنَى الْعَالَمِ نُفُوسًا وَأَقْوَاهُمْ تَوَكُّلاً عَلَى اللطِيفِ الخبيرِ لأنَّهُمْ رَضُوا بِقِسْمَةِ مَوْلاَنَا العليمِ الحكيمِ، وَكَانُوا مَحَطَّ رِحَالِ الكَرَمِ والجُودِ لأنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ البُخلَ لاَ يُرْضِي اللهَ، وَكَانُوا في الحِلْمِ كَالجبالِ الرَّاسِياتِ لأنَّهُم عَرَفُوا مَا لِلْحِلْمِ مِنْ مَزَايَا دُنْيَا وَأُخْرَى.

وَكَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ الَبلاَيَا بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهَا بِتَقْدِيرٍ وَتَصْرِيفِ الحَكِيمِ الخَبيرِ وَكَانُوا دَائِمًا يَسْتَقْبِلُونَ النِعَمَ بِالشُكِرِ وَالحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ لِجَزْمِهِمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُمْ وَلاَ مِنْ سَائِرِ المَخْلُوقِينَ بَلْ مِنْ الكَرِيمِ الدَّائِمِ الإِحْسَانِ الذِّي عَمَّ إِحسانُهُ الخَلايَقَ كُلَّهُمْ، وَكَانُوا يُحِبُّون الخيرَ لِبَعْضِهِمْ كَمَحَبَّتِهِمْ لأنْفُسِهِمْ عَمَلاً بِقَوْلِ الرسولِ الكريمِ: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُ لِنَفْسِهِ» وَلِعِلْمِهِمْ أَنَّ كَرَاهَتَهُمْ لاَ تُحْدِثُ أيَّ تَغَيّرُ وَقَدْ عَرَفُوا قَوْلَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنِ عباسٍ: «يَا غُلامُ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ... » الحَديث رواهُ الترمذي.

وَكَانُوا لا يُحُّبونَ الشرَّ وَأْهَلُه وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ مَوْلاَهُمْ دَائِمًا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم وأَنَّه أَحَاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْمًا فَلِهَذَا كَانُوا إِذَا قَالُوا أَوْ فَعَلُوا تَحَرَّوْا مَا يُرْضِيهِ جَلَّ وَعَلاَ فِيمَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ وَهَكَذَا كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَتَحَرَّكُوا أَوْ يَسْكنوا باسْتِشَارَةِ مَا وَهَبَهُمُ اللهُ مِنَ العِلمِ الدِّينِي يَتَحَرَّكُون وَيَسْكنون لِهَذَا كانوا لليومِ مَوْضِعَ إِعْجَابٍ وَنَالُوا فوقَ هَذا رِضَى رَبِّ العَالمينَ هكذا كَانُوا بِبَرَكَاتِ مَا وَهَبَهُمْ مَوْلاَهُمْ مِنَ العلمِ الدِيني والتمسُّكِ بِهِ تَمَامًا.

وَكَانُوا أَزْهَدَ النَّاسِ في الدُّنْيَا لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ حَقَارَتِهَا وَسُرْعَةَ زَوَالِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>