وأبخسهم حظًا من اللذة من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات الآخِرَة فيكون ممن يقَالَ لَهُمْ يوم استيفاء اللذات {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} . فهؤلاء تمتعوا بالطيبات وأولئك تمتعوا وافترقوا فِي وجه التمتع فأولئك تمتعوا بها على الوجه الذي أذن فيه فجمَعَ لَهُمْ بين لذة الدُّنْيَا والآخِرَة وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة، وسواء أذن لَهُمْ فيه أم لا انقطعت عنهم لذة الدُّنْيَا وفاتهم لذة الآخِرَة. فلا لذة الدُّنْيَا دامت ولا لذة الآخِرَة حصلت لَهُمْ فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة الدُّنْيَا موصلة إِلَى لذة الآخِرَة بأن يستعين على فراغ قَلْبهُ لله إرادته وعبادته فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة على طلبه لا بحكم مجرد الشهوة والهوى وإن كَانَ ممن زويت عَنْهُ لذات الدُّنْيَا فليجعل ما نقص مَنْهَا زيادة فِي لذة الآخِرَة ويجم نَفْسهُ ها هنا. بالترك ليستوفيها كاملة هناك. فطيبات الدُّنْيَا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخِرَة وكَانَتْ همته لما هناك. وبئس القاطع لمن كَانَتْ هِيَ مقصوده وهمته وحولها يدندن وفواتها فِي الدُّنْيَا نعم العون لطالب الله والدار الآخِرَة، وبئس القاطع النازع من الله والدار الآخِرَة فمن أخذ منافع الدُّنْيَا على وجه لا ينقص حظه من الآخِرَة ظفر بهما جميعًا وإلا خسرهما جميعًا.
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ:
سبحان الله رب العالمين لو لم يكن فِي ترك الذُّنُوب والمعاصي إلا إقامة المروءة وصون العرض وحفظ الجاه وصيانة الْمَال الَّذِي جعله الله قوامًا لمصالح الدُّنْيَا والآخِرَة ومحبة الخلق وجواز القول بينهم.