للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كَانَ يوم القيامة كَانَ النَّاس فِي الحر والعرق وَهُوَ فِي ظِلّ العرش فاذا انصرفوا بين يدي الله أخذ به ذات اليمين مَعَ أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العَظِيم وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم

"فَصْلٌ "

وقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِمَّا ينبغي أن يعلم: أن الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إِلَى الْعَبْد وإن كرهتها نَفْسهُ وشقت عَلَيْهَا فهذه هِيَ الرحمة الحقيقية. فارحم النَّاس بك من شق عَلَيْكَ فِي إيصال مصالحك ودفع المضار عَنْكَ.

فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التأديب بالعلم والْعَمَل ويشق عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بالضرب وغيره ويمنعه شهواته التِي تعود بضرره ومتى أهمل ذَلِكَ من ولده كَانَ لقلة رحمته به. وإن ظن أنه يرحمه ويرفهه ويريحه فهذه رحمة مقرونة بجهل كرحمة الأم لهَذَا كَانَ من تمام رحمة أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ تسليط أنواع البَلاء على الْعَبْد فإنَّه أَعْلَمُ بمصلحته فابتلاؤه لَهُ وامتحانه ومنعه من أغراضه وشهواته: من رحمته به ولكن الْعَبْد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلاءه ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه.

وقَدْ جَاءَ فِي الأثر: أن المبتلى إِذَا دُعِيَ لَهُ: اللَّهُمَّ ارحمه يَقُولُ الله سُبْحَانَهُ: كيف أرحمه من شَيْء به أرحمه. وفي أثر آخر: إن الله تَعَالَى إِذَا أحب عبده حماه الدُّنْيَا وطيباتها وشهواتها كما يحمى أحدكم مريضه.

فهَذَا من تمام رحمته به لا من بخله عَلَيْهِ. كيف وَهُوَ الجواد الماجد الَّذِي لَهُ الجود كله وجود الخلائق فِي جنب جوده أقل من ذرة فِي جبال الدُّنْيَا ورمالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>