المصالح، من وصية أَوْ فعل خَيْر أَوْ تأهب للموت. فكم ممن لَهُ ذنوب لا يتوب مَنْهَا أَوْ عنده ودائع لا يردها، أَوْ عَلَيْهِ دين أَوْ زكاة أَوْ فِي ذمته ظلامة لا يخطر لَهُ تداركها، وإنما حزنه على فراق الدُّنْيَا إِذَا لا هم لَهُ سواها وَرُبَّمَا أفاق وأوصى بجور ... انتهى كلامه.
شِعْرًا: ... لَحَى اللهُ دُنْيَا لا تَكُونُ مَطِيَّةً ... إِلَى دَارِكَ الأُخْرَى تَزُمَّ وَتَرْكَبُ
عَجِبْتُ لَمَنْ يَرْجو الرِّضَا وَهُوَ مُهْمِلٌ ... وَتَسْوِِيفُنَا مَعَ ذَلِكَ الْعِلْمُ أَعْجَبُ
وَمَا هَذِهِ الأَيَّام إِلا مَرَاحِلُ ... وَأَجْدَر أبِهَا تُقْضَى قَرِيبًا وَتَنضِبُ
إِذَا كانَا الأَنْفَاسُ لِلْعُمْرِ كَالْخُطَا ... فَإِنَّ الْمَدَى أَدْنَى مَنَالاً وَأَقْرَبُ
وقَالَ بَعْضهمْ: إن المرء إِذَا طرقه عما يتحيف صبره ويضيق صدره يعود إِلَى علمه بالدُّنْيَا كيف نصبت على النقلة، وجنبت طول المهلة وابتدأت للنفاد وشفع كونها للخراب، وأن الثاوي فيها راحل، والأَيَّامُ فيها مراحل موهوبها مسلوب وان أرخى إِلَى مهل، وممنوحها محروم وإن أرخى إِلَى أجل ولو خلد من سبق لما وسعت الأَرْض ولِذَلِكَ جعلت الدُّنْيَا دار قلعة ومحل نجعة.
شِعْرًا: ... كم رأينا من أناس هلكوا ... وبكى أحبابهم ثُمَّ بُكُوا
تَرَكُوا الدُّنْيَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ... وَدَّهُمْ لَوْ قَدَّمُوا مَا تَرَكُوا
كَمْ رَأَيْنَا مِنْ مُلُوكٍ سَوَقَةَ ... وَرَأَيْنَا سَوَقَةً قّدْ مَلَكُوا
هَذَا حُكْمٌ مِنْ حَكِيمٍ قَادِرٍ ... سَلَّمَ الأَمْرِ لِمَنْ أَجَرْى الْفَلَكُ
لا تَكُنْ مِمَّنْ يُقَلِّدُ مُلْحِدًا ... كَمْ جَهُولٍ بِاعْتِرَاضَاتٍ هَلَكَ
آخر: ... اطِل جَفْوَةَ الدُّنْيَا وَدَعْ عَنْكَ شَأْنَهَا ... فَمَا الغَافِلُ الْمَغْرُورُ فِيهَا بِعَاقِلٍ
وَلَيْسَ الأَمَانِي لِلْبَقَاءِ وَإِنْ جَرَتْ ... بِهَا عَادَةٌ إِلا تَعَالِيلُ بِاطِلِ
يُسَارُ بِنَا نَحْوَ الْمَنُونِ وَإِنَّنَا ... لَنُسْعَفُ فِي الدُّنْيَا بِطَيِّ الْمَرَاحِلِ
غَفَلْنَا عَنْ الأَيَّامِ أَطْوَلَ غَفْلَةٍ ... وَمَا حُوبُهَا الْمَجْنِيُّ مِنَا بغَافِلِ