للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٣٦ - فَمَنْ عَلَيْهِ الانْحِلَالُ قَدْ غَلَبْ … قُوبِلَ بِالزَّجْرِ وَمَا فِيهِ الرَّهَبْ

١٠٣٧ - وَإِنْ يَكُ الْخَوْفُ لَهُ تَغْلِيبُ … قَابَلَهُ التَّيْسِيرُ وَالتَّرْغِيبُ

والشارع في الرد إلى الاعتدال أو الإبقاء عليه يكون خطابه بحسب حال المخاطب "فمن عليه الانحلال" والانسلال من ربقة التكليف "قد غلب" واستحوذ "قوبل" من الشارع "بالزجر" والردع "وما" يحصل "فيه" أي به "الرهب" أي الخوف من النصوص المحذرة من الميل إلى الحظوظ والشهوات ميلا يخرج عن الاعتدال المطلوب شرعا، كقوله صلى الله عليه وسلم - "إن مما أخاف عليكم ما يفتح لكم من زهرات الدنيا". وقوله - تعالى - {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محَمَّد: ٣٦]. وقوله - سبحانه - {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)} [العنكبوت: ٦٤]. وقوله - تعالى - {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [القمَان: ٣٣] وغير ذلك من الأدلة الواردة في هذا الشأن. "و" أما "إن يك الخوف" هو الذي "له تغليب" واستحواذ "قابله" من الشارع "التيسير والترغيب" في رحمة الله - تعالى - وفضله.

ومن أمثلة ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قال:

"آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" شق ذلك على الصحابة، إذ لا يسلم أحد من شيء منه ففسره - عليه الصلاة والسلام - لهم حين أخبروه، بكذب وإخلاف وخيانة مختصة بأهل الكفر.

وكذلك لما نزل: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البَقَرَة: ٢٨٤] الآية، شق عليهم، فنزل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا} [البَقَرَة: ٢٨٦] وقارف بعضهم بارتداد أو غيره وخاف أن لا يغفر له، فسئل في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله} [الزُّمَر: ٥٣] الآية، ولما ذم الدنيا ومتاعها همّ جماعة من الصحابة أن يتبتلوا ويتركوا النساء واللذة والدنيا وينقطعوا إلى العبادة، فرد ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "من رغب عن سنتى فليس مني" ودعا لأناس بكثرة المال والولد بعدما أنزل الله {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التّغَابُن: ١٥] والمال والولد هي الدنيا: وأقرّ الصحابة على جمع الدنيا والتمتع بالحلال منها، ولم يزهّدهم ولا أمرهم بتركها، إلا عند ظهور

<<  <  ج: ص:  >  >>