للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأطلقهم وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال:

ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، فنزلت: خذ من أموالهم «١» عَمَلًا صالِحاً خروجا إلى الجهاد وَآخَرَ سَيِّئاً تخلفا عنه. عن الحسن وعن الكلبي: التوبة والإثم. فإن قلت: قد جعل كل واحد منهما مخلوطا فما المخلوط به «٢» ؟ قلت: كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به، لأنّ المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر، كقولك: خلطت الماء واللبن، ثريد: خلطت كل واحد منهما بصاحبه. وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللبن، لأنك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به، وإذا قلته بالواو جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما، كأنك قلت: خلطت الماء باللبن واللبن بالماء، ويجوز أن يكون من قولهم: بعت الشاء شاة ودرهما، بمعنى شاة بدرهم. فإن قلت: كيف قيل أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وما ذكرت توبتهم؟ قلت: إذا ذكر اعترافهم بذنوبهم، وهو دليل على التوبة، فقد ذكرت توبتهم.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٣]]

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)

تُطَهِّرُهُمْ صفة لصدقة. وقرئ: تطهرهم، من أطهره بمعنى طهره. وتطهرهم، بالجزم جوابا للأمر. ولم يقرأ وَتُزَكِّيهِمْ إلا بإثبات الياء. والتاء في تُطَهِّرُهُمْ للخطاب أو لغيبة المؤنث. والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه. أو بمعنى الإنماء والبركة في المال وَصَلِّ عَلَيْهِمْ واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحم، والسنة أن يدعو المصدّق لصاحب الصدقة «٣» إذا أخذها. وعن الشافعي رحمه الله: أحب أن يقول الوالي عند أخذ الصدقة: أجرك الله فيما أعطيت، وجعله طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت. وقرئ: إنّ صلاتك، على التوحيد «٤» سَكَنٌ لَهُمْ


(١) . أخرجه البيهقي في الدلائل وابن مردويه من طريق على ابن أبى طلحة عن ابن عباس في هذه الآية وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ- الآية كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما حضر رجوع النبي صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد- الحديث» .
(٢) . قال محمود: «إن قلت قد جعل كل واحد منهما مخلوطا فما المخلوط به … الخ» قال أحمد: والتحقيق في هذا أنك إذا قلت خلطت الماء باللبن فالمصرح به في هذا الكلام أن الماء المخلوط واللبن مخلوط به، والمدلول عليه لزوما لا تصريحا كون الماء مخلوطا به واللبن مخلوطا، وإذا قلت: خلطت الماء واللبن، فالمصرح به جعل كل واحد منهما مخلوطا. وأما ما خلط به كل واحد منهما فغير مصرح به، بل من اللازم أن كل واحد منهما مخلوط به. ويحتمل أن يكون قرينة أو غيره، فقول الزمخشري: «إن قولك خلطت الماء واللبن يفيد ما يفيده مع الباء وزيادة» ليس كذلك، فالظاهر في الآية- والله أعلم- أن العدول عن الباء إنما كان لتضمين الخلط معنى العمل، كأنه قيل: عملوا عملا صالحا وآخر سيئا، ثم انضاف إلى العمل معنى الخلط فعبر عنهما معا به، والله أعلم.
(٣) . قوله «يدعو المصدق لصاحب الصدقة» المصدق اسم فاعل: الذي يأخذ الصدقات، أفاده الصحاح. (ع)
(٤) . قوله «وقرئ إن صلاتك على التوحيد» بدل قراءة صلواتك على الجمع. (ع) [.....]