للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأن وريديه رشاءا خلب «١»

والوريدان: عرقان مكتنفان لصفحتى العنق في مقدمهما متصلان بالوتين، يردان من الرأس إليه. وقيل: سمى وريدا لأنّ الروح ترده. فإن قلت: ما وجه إضافة الحبل إلى الوريد، والشيء لا يضاف إلى نفسه؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن تكون الاضافة للبيان، كقولهم: بعير سانية. والثاني: أن يراد حبل العاتق فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد» كما لو قيل: حبل العلياء «٢» مثلا.

[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٧ الى ١٨]

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)

إِذْ منصوب بأقرب، وساغ ذلك لأنّ المعاني تعمل في الظرف متقدّمة ومتأخرة:

والمعنى: أنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس وما لا شيء أخفى منه، وهو أقرب من الإنسان «٣» من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به، إيذانا بأن استحفاظ الملكين أمر هو غنى عنه، وكيف لا يستغنى عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات؟ وإنما ذلك لحكمة اقتضت ذلك: وهي ما في كتبة الملكين وحفظهما، وعرض صحائف العمل يوم يقوم الأشهاد.

وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطة الله بعمله: من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «إنّ مقعد ملكيك على ثنيتيك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجرى فيما لا يعنيك لا تستحي من الله تعالى ولا منهما» «٤» ويجوز أن يكون تلقى الملكين بيانا للقرب، يعنى: ونحن قريبون منه مطلعون على أحواله مهيمنون عليه، إذ حفظتنا وكتبتنا موكلون به، والتلقي: التلقن بالحفظ والكتبة. والقعيد: القاعد،


(١) .
غضنفر تلقاء عند الغضب … كأن وريديه رشاءا خلب
لرؤبة. والغضنفر: الأسد. والوريدان: عرقان يردان من الرأس يكتنفان الحلقوم. وقيل: تردهما الروح.
والرشاءان: حبلان للاستقاء. والخلب- بضمتين، وقد يسكن-: اللب والماء المخلوط بالطين. ويجوز أن يراد به هنا البئر الكدرة: شبه الشجاع بالأسد، وشبه وريديه عند الغضب بالرشاءين، وكأن هنا عاملة، وهي مخففة، وهو قليل، والكثير إهمالها.
(٢) . قوله «لو قيل حبل العلباء» هي عصب العنق، كما في الصحاح. (ع)
(٣) . قوله «وهو أقرب من الإنسان» يقال: قرب من الشيء كما يقال: قرب إليه. (ع)
(٤) . أخرجه الثعلبي من رواية جميل بن الحسن عن أرطاه بن الأشعث العدوى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مقعد ملكيك» فذكره.