حيث ذهبوا إلى أن جميع الأفعال الاختيارية ليست بقضائه تعالى وقدره، ولا تأثير له فيها أصلا. وهذا أحق بالتنقيص الذي يفيده الحديث. وفسروا الإضلال والهدى في قوله تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ بخلق الضلال وخلق الاهتداء، خلافا للمعتزلة: حيث فسروا الإضلال بالخذلان وترك العبد وشأنه، والهدى بالبيان ونقل النسفي عن أبى منصور الماتريدى: أن الهدى المضاف للخالق يكون تارة بمعنى البيان كما في هذه الآية وتارة بمعنى خلق الاهتداء كما في قوله تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ والمضاف للمخلوق بمعنى البيان فقط، ويحتمل أن يكون هدى ثمود بمعنى خلق الاهتداء فيهم. وأنهم آمنوا قبل عقر الناقة، ثم كفروا وعقروها اه (ع) (٢) . قال محمود: «فدللناهم على طريقى الضلالة والرشد، ثم قال: فان قلت أليس معنى هديته حصلت له الهدى والدليل عليه قولك: هديته فاهتدى، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟ وأجاب بأنه مكنهم وأزاح عللهم، ولم يبق لهم عذرا ولا علة، فكأنه حصل البغية فيهم بحصول موجبها، ثم قال: ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبينا عليه الصلاة والسلام- وكفى به شهيدا- إلا هذه الآية، لكفى بها حجة» قال أحمد: قد أنطقه الله الذي أنطق كل شيء، فان القدرية مجوس هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد صحبه الأكرمون أن الطائفة الذين قفا الزمخشري أثرهم القدرية المتمجسة، الذين أديانهم بأدناس الفساد متنجسة فهم أول منخرط في هذا السلك، ومنهبط في مهواة هذا الهلك، ولترجع إلى أصل الكلام فنقول: الهدى من الله تعالى عند أهل السنة حقيقة: هو خلق الهدى في قلوب المؤمنين، والإضلال: خلق الضلال في قلوب الكافرين، ثم ورد الهدى على غير ذلك من الوجوه مجازا واتساعا، نحو هذه الآية، فان المراد فيها بالهدى الدلالة على طريقه كما فسره الزمخشري. وقد اتفق الفريقان: أهل السنة وأهل البدعة على أن استعمال الهدى هاهنا مجاز، ثم إن أهل السنة يحملونه على المجاز في جميع موارده في الشرع، فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، وأى دليل في هذه الآية على أهل السنة لأهل البدعة، حتى يرميهم بما ينعكس إلى نحره، ويذيقه وبال أمره.