أى يعلم كل سرّ خفىّ في السموات والأرض. ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله صلى الله عليه وسلم مع علمكم أنّ ما تقولونه باطل وزور، وكذلك باطن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراءته مما تبهتونه به، وهو يجازيكم ويجازيه على ما علم منكم وعلم منه. فإن قلت:
كيف طابق قوله إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً هذا المعنى؟ قلت: لما كان ما تقدّمه في معنى الوعيد عقبه بما يدل على القدرة عليه، لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة. أو هو تنبيه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبّا، ولكن صرف ذلك عنهم إنه غفور رحيم: يمهل ولا يعاجل.
وقعت اللام في المصحف مفصولة عن هذا خارجة عن أوضاع الخط العربي. وخط المصحف سنة لا تغير. وفي هذا استهانة وتصغير لشأنه وتسميته بالرسول سخرية منهم وطنز «١» ، كأنهم قالوا: ما لهذا الزاعم أنه رسول. ونحوه قول فرعون (إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) أى: إنّ صحّ أنه رسول الله فما باله حاله مثل حالنا يَأْكُلُ الطَّعامَ كما نأكل، ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد، يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش. ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى. اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك، حتى يتساندا في الإنذار والتخويف. ثم نزلوا أيضا فقالوا: وإن لم يكن مرفودا بملك، فليكن مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق كما الدهاقين والمياسير. أو يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم. وأراد بالظالمين: إياهم بأعيانهم: وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا. وقرئ: فيكون، بالرفع. أو يكون له جنة، بالياء، ونأكل، بالنون. فإن قلت: ما وجها الرفع والنصب في فيكون؟ قلت: النصب لأنه جواب «لولا» بمعنى «هلا» وحكمه حكم الاستفهام. والرفع على أنه معطوف على أنزل، ومحله الرفع. ألا تراك
(١) قوله «وطنز» في الصحاح «الطنز» : السخرية. (ع) [.....]