تِلْكَ آياتُ اللَّهِ الواردة في الوعد والوعيد نَتْلُوها عَلَيْكَ ملتبسة بِالْحَقِّ والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً فيأخذ أحداً بغير جرم، أو يزيد في عقاب مجرم، أو ثواب محسن. ونكر ظلما وقال لِلْعالَمِينَ على معنى ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه، فسبحان من يحلم عمن يصفه بإرادة القبائح «١» والرضا بها.
«كان» عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ، ومنه قوله تعالى:(وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ومنه قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ كأنه قيل: وجدتم خير أمّة، وقيل: كنتم في علم اللَّه خير أمّة. وقيل: كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمّة، موصوفين به أُخْرِجَتْ أظهرت، وقوله تَأْمُرُونَ كلام مستأنف بين به كونهم خير أمّة، كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ جعل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إيمانا باللَّه، لأنّ من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه، فكأنه غير مؤمن باللَّه (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) والدليل عليه قوله تعالى وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ مع إيمانهم باللَّه لَكانَ خَيْراً لَهُمْ
لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه، لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام حبا للرئاسة واستتباع العوام، ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله، مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كعبد اللَّه بن سلام وأصحابه وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ المتمرّدون في الكفر لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً
(١) . قوله «فسبحان من يحلم عمن يصفه بارادة القبائح» يريد أهل السنة القائلين: ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن، كما أجمع عليه السلف. (ع) [.....]