للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسبب مقام السبب، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها، أى تسيل من الدمع من أجل البكاء من قولك دمعت عينه دمعاً فإن قلت: أى فرق بين من ومن في قوله مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ؟ قلت الأولى لابتداء الغاية، على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، وكان من أجله وبسببه. والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا. وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق، فأبكاهم وبلغ منهم، فكيف إذا عرفوه كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة؟ وقرئ (ترى أعينهم) على البناء للمفعول رَبَّنا آمَنَّا المراد به إنشاء الإيمان، والدخول فيه فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ مع أمّة محمد صلى اللَّه عليه وسلم الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ إنكار استبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام اللَّه عليهم بصحبة الصالحين: وقيل: لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك. أو أرادوا: وما لنا لا نؤمن باللَّه وحده لأنهم كانوا مثلثين، وذلك ليس بإيمان باللَّه: ومحل (لا نُؤْمِنُ) النصب على الحال، بمعنى: غير مؤمنين، كقولك مالك قائما. والواو في وَنَطْمَعُ واو الحال. فإن قلت: ما العامل في الحال الأولى والثانية؟ قلت: العامل في الأولى ما في اللام من معنى الفعل، كأنه قيل: أى شيء حصل لنا غير مؤمنين: وفي الثانية معنى هذا الفعل، ولكن مقيداً بالحال الأولى لأنك لو أزلتها وقلت: وما لنا ونطمع، لم يكن كلاما. ويجوز أن يكون (وَنَطْمَعُ) حالا من لا نؤمن، على أنهم أنكروا على نفوسهم أنهم لا يوحدون اللَّه، ويطمعون مع ذلك أن يصحبوا الصالحين، وأن يكون معطوفا على لا نؤمن على معنى: وما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصالحين، أو على معنى: وما لنا لا نجمع بينهما بالدخول في الإسلام، لأن الكافر ما ينبغي له أن يطمع في صحبة الصالحين. قرأ الحسن: فآتاهم اللَّه بِما قالُوا بما تكلموا به عن اعتقاد وإخلاص، من قولك: هذا قول فلان، أى اعتقاده وما يذهب إليه.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)

طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ما طاب ولذ من الحلال. ومعنى لا تُحَرِّمُوا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم. أو لا تقولوا حرّمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهداً