للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للوصف بالسخاء، ودلالة على أنه لا يتفق إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة. روى أن اللَّه تبارك وتعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس ما لا، فلما عصوا اللَّه في محمد صلى اللَّه عليه وسلم وكذبوه كف اللَّه تعالى ما بسط عليهم من السعة، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء:

يد اللَّه مغلولة، ورضى بقوله الآخرون فأشركوا فيه وَلَيَزِيدَنَّ أى يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تمادياً في الجحود وكفراً بآيات اللَّه وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ فكلمهم أبداً مختلف، وقلوبهم شتى، لا يقع اتفاق بينهم ولا تعاضد كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا ولم يقم لهم نصر من اللَّه على أحد قط، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس. وقيل:

خالفوا حكم التوراة فبعث اللَّه عليهم بخت نصر، ثم أفسدوا فسلط اللَّه عليهم فطرس الرومىّ، ثم أفسدوا فسلط اللَّه عليهم المجوس، ثم أفسدوا فسلط اللَّه عليهم المسلمين. وقيل: كلما حاربوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نصر عليهم. وعن قتادة رضى اللَّه عنه لا تلقى اليهود ببلدة إلا وجدتهم من أذل الناس وَيَسْعَوْنَ ويجتهدون في الكيد للإسلام ومحو ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من كتبهم.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦)

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ مع ما عددنا من سيئاتهم آمَنُوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبما جاء به، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ تلك السيئات ولم نؤاخذهم بها وَلَأَدْخَلْناهُمْ مع المسلمين الجنة. وفيه إعلام بعظم معاصى اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة اللَّه تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإيمان لا ينجى «١»


(١) . قال محمود: «فيه دليل على أن الايمان لا ينجى … الخ» قال أحمد: وهو ينتهز الفرصة من ظاهر هذه الآية فيجعله دليلا على قاعدته في أن مجرد الايمان لا ينجى من الخلود في النار حتى ينضاف إليه التقوى، لأن اللَّه تعالى جعل المجموع في هذه الآية شرطا للتفكير ولادخال الجنة. وظاهره أنهما ما لم يجتمعا لا يوجد تكفير ولا دخول الجنة، وأنى له ذلك والإجماع والاتفاق من الفريقين أهل السنة والمعتزلة على أن مجرد الايمان يجب ما قبله ويمحوه، كما ورد النص فلو فرضنا موت الداخل في الايمان عقيب دخوله فيه، لكان كيوم ولدته أمه باتفاق مكفر الخطايا محكوما له بالجنة، فدل ذلك على أن اجتماع الأمرين ليس بشرط. هذا إن كان المراد بالتقوى الأعمال.
وإن كانت التقوى على أصل موضعها الخوف من اللَّه عز وجل، فهذا المعنى ثابت لكل مؤمن وإن قارف الكبائر.
وحينئذ لا يتم للزمخشري منه غرض. وما هذا إلا إلحاح ولجاج في مخالفة المعتقد المستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة، وإن زنى أو سرق» كررها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرارا، ثم قال: وإن رغم أنف أبى ذر، لما راجعه رضى اللَّه عنه في ذلك. ونحن نقول. وإن رغم أنف القدرية.