قال أحمد رحمه اللَّه: يبعد هذا الجواب قوله تعالى عقيب ذلك: (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فان البرهان المطلوب منهم هاهنا إنما هو على صحة دعواهم أن الجنة لا يدخلها غيرهم. ويحقق هذا قوله: (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) فإنما يعنى الجنة ونعيمها، رداً عليهم في نفى غيرهم عن دخولها ففي هذا دليل بين على أن الأمانى المشار إليها ليس إلا ما طولبوا بإقامة البرهان على صحته وهو أمنية واحدة واللَّه أعلم. والجواب القريب: أنهم لشدة تمنيهم لهذه الأمنية ومعاودتهم لها وتأكدها في نفوسهم جمعت، ليفيد جمعها أنها متأكدة في قلوبهم، بالغة منهم كل مبلغ، والجمع يفيد ذلك وإن كان مؤداه واحداً. ونظيره قولهم: معاً جياع، فجمعوا الصفة ومؤداها واحد، لأن موصوفها واحد تأكيداً لثبوتها وتمكنها. وهذا المعنى أحد ما روى في قوله تعالى: (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) فانه جمع قليلا وقد كان الأصل إفراده، فيقال لشرذمة قليلة كقوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) لولا ما قصد إليه من تأكيد معنى القلة بجمعها. ووجه إفادة الجمع في مثل هذا للتأكيد أن الجمع يفيد بوضعه الزيادة في الآحاد، فنقل إلى تأكيد الواحد، وإبائه زيادته على نظرائه نقلا مجازيا بديعاً، فتدبر هذا الفصل فانه من نفائس صناعة البيان واللَّه الموفق.