ورَبِّهِمْ فصل: وفائدته: الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة، والتوكيد، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره. أو هو مبتدأ والمفلحون خبره، والجملة خبر أولئك.
ومعنى التعريف في الْمُفْلِحُونَ: الدلالة على أن المتقين هم الناس الذين عنهم بلغك أنهم يفلحون في الآخرة كما إذا بلغك أن إنسانا قد تاب من أهل بلدك، فاستخبرت من هو؟ فقيل زيد التائب، أى هو الذي أخبرت بتوبته. أو على أنهم الذين إن حصلت صفة المفلحين وتحققوا ما هم، وتصوّروا بصورتهم الحقيقية، فهم هم لا يعدون تلك الحقيقة. كما تقول لصاحبك: هل عرفت الأسد وما جبل عليه من فرط الإقدام؟ إن زيداً هو هو. فانظر كيف كرّر اللَّه عزّ وجلّ التنبيه على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله أحد على طرق شتى، وهي: ذكر اسم الإشارة، وتكريره، وتعريف المفلحين، وتوسيط الفصل بينه وبين أولئك ليبصرك مراتبهم ويرغبك في طلب ما طلبوا، وينشطك لتقديم ما قدّموا، ويثبطك عن الطمع الفارغ والرجاء الكاذب والتمني على اللَّه ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته. اللهمّ زينا بلباس التقوى، واحشرنا في زمرة من صدرت بذكرهم سورة البقرة. والمفلح: الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه. والمفلج- بالجيم- مثله. ومنه قولهم المطلقة: استفلحى بأمرك بالحاء والجيم. والتركيب دال على معنى الشق والفتح، وكذلك أخواته في الفاء والعين، نحو:
لما قدّم ذكر أوليائه وخالصة عباده بصفاتهم التي أهلتهم لإصابة الزلفى عنده، وبين أن الكتاب هدى ولطف لهم خاصة، قفى على أثره بذكر أضدادهم وهم العتاة المردة من الكفار الذين لا ينفع فيهم الهدى، ولا يجدى عليهم اللطف، وسواء عليهم وجود الكتاب وعدمه، وإنذار الرسول وسكوته. فإن قلت: لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قوله: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وغيره من الآي الكثيرة؟ قلت: ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت: لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هدى للمتقين، وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت، فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب، وهما على حدّ لا مجال فيه للعاطف. فإن قلت: هذا إذا زعمت أن الذين يؤمنون جار على المتقين، فأمّا إذا ابتدأته وبنيت الكلام لصفة المؤمنين، ثم عقبته بكلام آخر في صفة أضدادهم، كان