للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى. قال: وأى شيء أقول؟ قالوا: تقول: إنه عبد اللَّه ورسوله. قال: إنه ليس بعار «١» أن يكون عبداً للَّه. قالوا: بلى، فنزلت: أى لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه، فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأنّ العار ألصق به. فإن قلت: علام عطف قوله: َ لَا الْمَلائِكَةُ)

؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يعطف على المسيح، أو على اسم «يكون» أو على المستتر في: َبْداً)

لما فيه من معنى الوصف، لدلالته على معنى العبادة، كقولك: مررت برجل عبد أبوه، فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية، أو أن يعبد اللَّه هو ومن فوقه. فإن قلت: قد جعلت الملائكة وهم جماعة عبداً للَّه في هذا العطف، فما وجهه؟ قلت: فيها وجهان: أحدهما أن يراد: ولا كل واحد من الملائكة أو ولا الملائكة المقرّبون أن يكونوا عباداً للَّه، فحذف ذلك لدلالة (عبد الله) عليه إيجازاً. وأمّا إذا عطفتهم على الضمير في: َبْداً)

فقد طاح هذا السؤال. قرئَ سَيَحْشُرُهُمْ)

بضم الشين وكسرها وبالنون.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٣ الى ١٧٥]

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)

فإن قلت: التفصيل غير مطابق للمفصل «٢» لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصل على فريق واحد. قلت: هو مثل قولك: جمع الإمام الخوارج، فمن لم يخرج عليه كساه وحمله، ومن خرج عليه نكل به، وصحة ذلك لوجهين، أحدهما: أن يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه،


(١) . أخرجه الواحدي في الأسباب عن ابن الكلبي.
(٢) . قال محمود: «إن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل … الخ» قال أحمد: المراد بالمفصل: من لم يستنكف ومن استنكف لسبق ذكرهما. ألا ترى أن المسيح والملائكة المقربين ومن دونهم من عباد اللَّه لم يستنكفوا عن عبادة اللَّه وقد جرى ذكرهم. ويرشد إليه تأكيد الضمير بقوله: َمِيعاً) فكأنه قال فسيحشر إليه المقربين وغيرهم جميعاً. ووقوع الفعل المتصل به الضمير جزاء لقوله: َ مَنْ يَسْتَنْكِفْ)
لا يعين اختصاص الضمير بالمستنكفين لأن المصحح لارتباط الكلام قد وجد مندرجا في طى هذا الضمير الشامل لهم ولغيرهم. وحينئذ يكون المفصل مشتملا على الفريقين، وتفصيله منطبق عليه، واللَّه أعلم.