للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا في العبد هل يصح له ملك؟ والمذهب الظاهر أنه لا يصحّ له. فإن قلت: مَنْ في قوله وَمَنْ رَزَقْناهُ ما هي؟ قلت: الظاهر أنها موصوفة، كأنه قيل: وحراً رزقناه، ليطابق عبداً. ولا يمتنع أن تكون موصولة. فإن قلت: لم قيل يَسْتَوُونَ على الجمع؟ قلت: معناه:

هل يستوي الأحرار والعبيد؟

[[سورة النحل (١٦) : آية ٧٦]]

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)

الأبكم الذي ولد أخرس، فلا يَفهم ولا يُفهم وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أى ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله أَيْنَما يُوَجِّهْهُ حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم، لم ينفع ولم يأت بنجح هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ هو سليم الحواس نفاعا ذو كفايات، مع رشد وديانة، فهو يَأْمُرُ الناس بِالْعَدْلِ والخير وَهُوَ في نفسه عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ على سيرة صالحة ودين قويم. وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية، وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع وقرئ: أينما يوجه، بمعنى أينما يتوجه، من قولهم: أينما أوجه ألق سعداً: وقرأ ابن مسعود:

أينما يوجه، على البناء للمفعول.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٧٧]]

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧)

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى يختصّ به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه. أو أراد بغيب السموات والأرض: يوم القيامة، على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ أى هو عند الله وإن تراخى، كما تقولون أنتم في الشيء الذي تستقربونه: هو كلمح البصر أو هو أقرب، إذا بالغتم في استقرابه.

ونحوه قوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أى هو عنده دان وهو عندكم بعيد. وقيل: المعنى أن إقامة الساعة وإماتة الأحياء وإحياء الأموات من الأولين والآخرين، يكون في أقرب وقت وأوحاه «١» ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ


(١) . قوله «وأوحاه» أى: وأسرعه. أفاده الصحاح. (ع)