(٢) . قال محمود: «فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدى إليها التوسعة من الاطباق على الكفر» فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الايمان؟ وأجاب بأن التوسعة عليهم مفسدة أيضا لما يؤدى إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا، وذلك من دين المنافقين» قال أحمد: سؤال وجواب مبنيان على قاعدتين فاسدتين. إحداهما: تعليل أفعال الله تعالى، والأخرى: أن الله تعالى أراد الإسلام من الخلق أجمعين. أما الأولى فقد أخرس الله السائل عنه بقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ وأما الثانية فقد كفى الله المؤمنين الجواب عنه فيه بقوله وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً. (٣) . قال محمود: «يقال عشى بصره بكسر الشين إذا أصابته الآفة … » قال أحمد: في هذه الآية نكتتان بديعتان، إحداهما: الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم، وهي مسألة اضطرب فيها الأصوليون وإمام الحرمين من القائلين بافادتها العموم، حتى استدرك على الأئمة إطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص، وقال: إن الشرط يعم، والنكرة في سياقه تعم. وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن على الأنبارى شارح كتابه ردا عنيفا. وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرا في سياق شرط، ونحن نعلم أنه إنما أراد عموم الشياطين لا واحدا لوجهين، أحدهما: أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانا، فكيف بالعاشى عن ذكر الله، والآخر: يؤخذ من الآية: وهو أنه أعاد عليه الضمير مجموعا في قوله وَإِنَّهُمْ فانه عائد إلى الشيطان قولا واحدا «ولولا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا إشكال، فهذه نكتة تجد عند إسماعها لمخالفي هذا الرأى سكتة. والنكتة الثانية: أن في هذه الآية ردا على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك. واحتج المانع لذلك بأنه إجمال بعد تفسير، وهو خلاف المعهود من الفصاحة. وقد نقض الكندي هذا بقوله تعالى وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ونقض غيره بقوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ … الآية وكان جدي رحمه الله قد استخرج من هذه الآية بعض ذلك، لأنه أعاد على اللفظ في قوله: يَعْشُ ولَهُ مرتين، ثم على المعنى في قوله لَيَصُدُّونَهُمْ ثم على اللفظ بقوله حَتَّى إِذا جاءَنا وقد قدمت أن الذي منع ذلك قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستفلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك حتى رددت على الزمخشري في قوله تعالى لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً فان الجملة واحدة، فانظره في موضعه.