الغيث كقوله فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ومن الكنوز والدفائن والأموات، وجميع ما هي له كفات وَما يَخْرُجُ مِنْها من الشجر والنبات، وماء العيون، والغلة، والدواب، وغير ذلك وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والملائكة وأنواع البركات والمقادير، كما قال تعالى وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ وَما يَعْرُجُ فِيها من الملائكة وأعمال العباد وَهُوَ مع كثرة نعمه وسبوغ فضله الرَّحِيمُ الْغَفُورُ للمفرطين في أداء مواجب شكرها. وقرأ على بن أبى طالب رضى الله عنه: ننزّل، بالنون والتشديد.
قولهم لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ نفى للبعث وإنكار لمجيء الساعة. أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية، كقولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ. أوجب ما بعد النفي ببلى على معنى: أن ليس الأمر إلا إتيانها، ثم أعيد إيجابه مؤكدا بما هو الغاية في التوكيد والتشديد، وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل، ثم أمد التوكيد القسمي إمدادا بما أنبع المقسم به من الوصف بما وصف به، إلى قوله لِيَجْزِيَ لأنّ عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدّة ثباته واستقامته، لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة، كانت الشهادة أقوى وآكد، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ.
فإن قلت: هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى؟ قلت: نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب، وأدخلها في الخفية، وأوّلها مسارعة إلى القلب: إذا قيل عالم الغيب، فحين أقسم باسمه على إثبات قيام الساعة، وأنه كائن لا محالة، ثم وصف بما يرجع إلى علم الغيب، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة، فجاء ما تطلبه من وجه الاختصاص مجيئا واضحا. فإن قلت: الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه، فهب أنه حلف لهم بأغلظ الأيمان وأقسم عليهم جهد القسم، فيمين من هو في معتقدهم مفتر على الله كذبا كيف تكون مصححة لما أنكروه؟ قلت: هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها الحجة القاطعة والبينة الساطعة وهي قوله لِيَجْزِيَ فقد وضع الله في العقول وركب في