وتمليك طالوت وإظهاره بالآية التي هي نزول التابوت من السماء، وغلبة الجبابرة على يد صبى بِالْحَقِّ باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم كذلك وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ حيث تخبر بها من غير أن تعرف بقراءة كتاب ولا سماع أخبار.
تِلْكَ الرُّسُلُ إشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في السورة، أو التي ثبت علمها عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ منهم من فضله اللَّه بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام.
وقرئ (كلم اللَّه) بالنصب. وقرأ اليماني: كالم اللَّه، من المكالمة، ويدل عليه قولهم: كليم اللَّه، بمعنى مكالمه وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ أى ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة. والظاهر أنه أراد محمداً صلى اللَّه عليه وسلم «١» لأنه هو المفضل عليهم، حيث أوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر. ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منفياً على سائر ما أوتى الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس. ويقال للرجل: من فعل هذا؟ فيقول:
(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «والظاهر أنه أراد محمداً عليه الصلاة والسلام … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: وإنما أوردت هذا الفصل من كلامه استحسانا له لفظاً ومعنى، وتبركا بإعطاء المصطفى عليه الصلاة والسلام من الفضل بعض حقه. وأصاب الزمخشري في قوله: حيث أوتى النبي عليه الصلاة والسلام من الفضل المنيف على سائر ما أوتيه الأنبياء، على الجميع الصلاة والسلام. وليس كما يقال عن بعض أهل العصر من تفضيل النبي عليه الصلاة والسلام على كل واحد واحد من آحاد الأنبياء. وينبغي الوقوف عن نسبته له، فانه من العلماء الأعلام وعمد دين الإسلام، والوجه التوريك بالغلط على النقلة عنه.