إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً محدوداً بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أى حال كنتم، خوف أو أمن. وهذا ظاهر على مذهب الشافعي رحمه اللَّه في إيجابه الصلاة على المحارب في حالة المسايفة والمشي والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها، فإذا اطمأن فعليه القضاء. وأما عند أبى حنيفة رحمه اللَّه فهو معذور في تركها إلى أن يطمئن. وقيل: معناه فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر اللَّه مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم من قيام وقعود واضطجاع، فإن ما أنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر اللَّه ودعائه واللجأ إليه (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) فإذا أقمتم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فأتموها.
وَلا تَهِنُوا ولا تضعفوا ولا تتوانوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم، ثم ألزمهم الحجة بقوله: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ أى ليس ما تكابدون من الألم بالجرح والقتل مختصاً بكم، إنما هو أمر مشترك بينكم وبينهم يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه ويتشجعون، فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم، مع أنكم أولى منهم بالصبر لأنكم تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ من إظهار دينكم على سائر الأديان، ومن الثواب العظيم في الآخرة. وقرأ الأعرج: أن تكونوا تألمون، بفتح الهمزة، بمعنى: ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون. وقوله:(فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) تعليل. وقرئ: فإنهم ييلمون كما تيلمون.
وروى أن هذا في بدر الصغرى، كان بهم جراح فتواكلوا وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لا يكلفكم شيئاً ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا لما هو عالم به مما يصلحكم.
روى أنّ طعمة بن أبيرق أحد بنى ظفر سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان في جراب دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه، وخبأها عند زيد بن السمين رجل من اليهود، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها، وما له بها علم، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها، فقال: دفعها إلىّ طعمة، وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا إن لم تفعل هلك وافتضح وبريء اليهودي، فهمَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يفعل وأن يعاقب