للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه في مسجد جماعة. وقرأ مجاهد: في المسجد تِلْكَ الأحكام التي ذكرت حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها فلا تغشوها فإن قلت: كيف قيل «١» فَلا تَقْرَبُوها مع قوله: (فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ) ؟ قلت: من كان في طاعة اللَّه والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق فنهى أن يتعداه لأن من تعداه وقع في حيز الباطل ثم بولغ في ذلك فنهى أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيزى الحق والباطل لئلا يدانى الباطل، وأن يكون في الواسطة متباعداً عن الطرف فضلا عن أن يتخطاه، كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «إنّ لكل ملك حمى، وحمى اللَّه محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه»

» فالرتع حول الحمى وقربان حيزه واحد. ويجوز أن يريد بحدود اللَّه محارمه ومناهيه خصوصا، لقوله: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) وهي حدود لا تقرب.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]]

وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)

ولا يأكل بعضكم مال بعض بِالْباطِلِ بالوجه الذي لم يبحه اللَّه ولم يشرعه. ولا تُدْلُوا بِها ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها إلى الحكام لِتَأْكُلُوا بالتحاكم فَرِيقاً طائفة مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ بشهادة الزور، أو باليمين الكاذبة، أو بالصلح، مع العلم بأن المقضى له ظالم.

وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال للخصمين. «إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إلىّ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنّ منه شيئا، فإن ما أقضى «٣» له قطعة من نار» فبكيا وقال كل واحد منهما: حقي لصاحبي. فقال «اذهبا فتوخيا، ثم استهمل، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه» «٤» وقيل (وَتُدْلُوا بِها) وتلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة. وتدلوا: مجزوم داخل في حكم النهى، أو منصوب بإضمار أن، كقوله: (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) . وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنكم على الباطل، وارتكاب المعصية مع العلم بقبحها أقبح، وصاحبه أحق بالتوبيخ.


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «إن قلت كيف قال فلا تقربوها … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه تعالى: وفي هذه الآية دليل بين لمذهب مالك رضى اللَّه تعالى عنه في سد الذرائع والاحتياط للمحرمات لا يدافع عنه.
(٢) . متفق عليه. وله ألفاظ.
(٣) . قوله «فان ما أقضى» لعله: فإنما. (ع)
(٤) . أخرجه أبو داود، والدارقطني، والحاكم، وأحمد، وإسحاق، وابن أبى شيبة، وأبو يعلى، كلهم من رواية أسامة بن زيد عن عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة. وأصله في الصحيحين بدون الزيادة.