للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله في الناس مثل هؤلاء. اللهم اجعلنا من العلماء المتدبرين، وأعذنا من القراء المتكبرين.

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]

وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣)

وقرئ: نعم العبد، على الأصل، «١» والمخصوص بالمدح محذوف. وعلل كونه ممدوحا بكونه أوّابا رجاعا إليه بالتوبة. أو مسبحا مؤوّبا للتسبيح مرجعا له، لأن كل مؤوّب أوّاب.

والصافن: الذي في قوله:

ألف الصّفون فما يزال كأنّه … ممّا يقوم على الثّلاث كسيرا «٢»

وقيل: الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل: هو المتخيم. وأما الصافن: فالذي يجمع بين يديه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «من سره أن يقوم الناس له صفونا فليتبوّأ مقعده من النار» «٣» أى: واقفين كما خدم الجبابرة. فإن قلت: ما معنى وصفها بالصفون؟ قلت: الصفون لا يكاد يكون في الهجن، وإنما هو في العراب الخلص. وقيل: وصفها بالصفون والجودة، ليجمع لها بين الوصفين المحمودين: واقفة وجارية، يعنى: إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها. وروى أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين، فأصاب ألف فرس. وقيل: ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة. وقيل:

خرجت من البحر لها أجنحة، فقعد يوما بعد ما صلى الأولى على كرسيه «٤» واستعرضها، فلم


(١) . قوله «وقرئ نعم العبد على الأصل» لعله بفتح النون وكسر العين، كما يفيده الصحاح. (ع)
(٢) . لامرئ القيس. وقيل: للعجاج يصف فرسا. والصفون- بالمهملة-: الوقوف على سنبك يد أو رجل.
والسنبك: طرف حافر الفرس. والصفون- بالمعجمة-: الجمع بين اليدين في الوقوف، ومما يقوم: خبر كان، أى: أحب الصفون، كأنه من الجنس الذي يقوم على ثلاث قوائم. أو كأنه مخلوق من القيام على ثلاثة كخلق الإنسان من عجل، حال كونه مكسور القائمة الرابعة، أو كاسرها أى ثانيها، فما موصولة أو مصدرية. وكسيرا:
حال، والجملة: خبر يزال، وهذا ما استقر عليه رأى ابن الحاجب في الأمالى بعد كلام طويل، ولو جعلت ما مصدرية، وكسيرا: خبر كأن، كان حقه الرفع، ولو جعلته خبر يزال كما اختاره ابن هشام، لكان المعنى:
فلا يزال كسيرا، كأنه مما يقوم على الثلاث على ما مر. ويجوز أن يكون المعنى: فلا يزال كسيرا من قيامه على الثلاث، وكأنه اعتراض، وخبره محذوف، أى كأنه كسير. وفائدته الاحتراس.
(٣) . لم أجده هكذا وفي السنن حديث معاوية «من سره أن يتمثل الناس له قياما» وفي الغريب لأبى عبيد من حديث البراء رضى الله عنه «كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه قمنا معه صفوفا.
(٤) . قوله «بعد ما صلى الأولى على كرسيه» عبارة النسفي. صلى الظهر. (ع)