وليتميزن الصادق منهم من الكاذب. ويجوز أن يكون وعدا ووعيدا، كأنه قال: وليثيبن الذين صدقوا وليعاقبنّ الكاذبين. وقرأ على رضى الله عنه والزهري: وليعلمنّ، من الإعلام، أى:
وليعرفنهم الله الناس من هم. أو ليسمنهم بعلامة يعرفون بها من بياض الوجوه وسوادها، وكحل العيون وزرقتها.
أَنْ يَسْبِقُونا أن يفوتونا، يعنى أنّ الجزاء يلحقهم لا محالة، وهم لم يطمعوا في الفوت، ولم يحدّثوا به نفوسهم، ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وإصرارهم على المعاصي: في صورة من يقدر ذلك ويطمع فيه. ونظيره وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ. فإن قلت: أين مفعولا «حسب» ؟ قلت: اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سدّ مسدّ المفعولين، كقوله تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة. ومعنى الإضراب فيها: أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأوّل، لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه ساءَ ما يَحْكُمُونَ بئس الذي يحكمونه حكمهم هذا. أو بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا، فحذف المخصوص بالذم.
لقاء الله: مثل للوصول إلى العاقبة، من تلقى ملك الموت، والبعث، والحساب، والجزاء:
مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتى ويذر، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضى من أفعاله، أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى قوله مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ: من كان يأمل تلك الحال. وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشر فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ وهو الموت لَآتٍ لا محالة، فليبادر العمل الصالح الذي يصدق رجاءه، ويحقق أمله، ويكتسب به القربة عند الله والزلفى وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الذي لا يخفى عليه شيء مما يقوله عباده ومما يفعلونه، فهو حقيق بالتقوى والخشية. وقيل يَرْجُوا: يخاف من قول الهذلي في صفة عسال: