لا يجوز. فإن قلت: كيف قال فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ عند التعجل والتأخر جميعاً؟ قلت: دلالة على أنّ التعجل والتأخر مخير فيهما، كأنه قيل: فتعجلوا أو تأخروا. فإن قلت: أليس التأخر بأفضل؟
قلت: بلى، ويجوز أن يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل «١» وقيل: إنّ أهل الجاهلية كانوا فريقين: منهم من جعل المتعجل آثما، ومنهم من جعل المتأخر آثما فورد القرآن بنفي المأثم عنهما جميعاً لِمَنِ اتَّقى أى ذلك التخيير.
ونفى الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقى: لئلا يتخالج في قلبه شيء منهما فيحسب أنّ أحدهما يرهق صاحبه آثام في الإقدام عليه، لأنّ ذا التقوى حذر متحرّز من كل ما يريبه، ولأنه هو الحاج على الحقيقة عند اللَّه. ثم قال وَاتَّقُوا اللَّهَ ليعبأ بكم. ويجوز أن يراد ذلك الذي مرّ ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى، لأنه هو المنتفع به دون من سواه، كقوله:(ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ) .
مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ أى يروقك ويعظم في قلبك. ومنه: الشيء العجيب الذي يعظم في النفس.
وهو الأخنس بن شريق كان رجلا حلو المنطق، إذا لقى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ألان له القول وادعى أنه يحبه وأنه مسلم وقال: يعلم اللَّه أنى صادق. وقيل: هو عامّ في المنافقين، كانت تحلولي ألسنتهم، وقلوبهم أمرّ من الصبر، فإن قلت: بم يتعلق قوله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا؟ قلت:
(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «إنما نفى الإثم في الطرفين جميعاً ليدل على التخيير بين الأمرين الفاضل والأفضل، كما خير المسافر بين الصوم والفطر وإن كان الصوم أفضل» . قال أحمد رحمه اللَّه: قوله- إن التخيير يقع بين الفاضل والأفضل- غير مستقيم، فان التخيير يوجب التساوي في غرض المخير، وينافي طلب أحد الطرفين والأمر به. وكيف يستقيم اجتماع ما يوجب الطلب والترجيح وما يوجب التساوي والتخيير. وقد وقع لإمام الحرمين قريب من هذا، فانه ميز الوجوب من الندب بأن الندب يشتمل على اقتران الأمر بخيرة الترك ولا كذلك الوجوب، ولم يرضه محققو الفن وإنما أخل الزمخشري في تفسيره الآية فلزمه ذلك السؤال الوارد عليه. وبيان عدم التطابق بين تفسيره والآية، أى مضمونها نفى الإثم عن الطرفين جميعاً، وهذا القدر مشترك بين الندب والكراهة والاباحة، لكن يتميز الندب بترجيح الفعل على الترك، وتتميز الكراهة والاباحة بالتخيير بينهما فلا تنافى إذاً بين الندب إلى التأخير وأنه أفضل، وبين نفى الإثم عن تاركه إلى التعجيل. وحينئذ لا يرد السؤال الذي لزمه فأجاب عنه.