وأنت الشّهير بخفض الجناح … فلا تك في رفعه أجدلا «١»
ينهاه عن التكبر بعد التواضع. فإن قلت: المتبعون للرسول هم المؤمنون، والمؤمنون هم المتبعون للرسول، فما قوله لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قلت: فيه وجهان: أن يسميهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين لمشارفتهم ذلك، وأن يريد بالمؤمنين المصدّقين بألسنتهم، وهم صنفان: صنف صدّق واتبع رسول الله فيما جاء به، وصنف ما وجد منه إلا التصديق فحسب، ثم إمّا أن يكونوا منافقين أو فاسقين، والمنافق والفاسق لا يخفض لهما الجناح. والمعنى: من المؤمنين من عشيرتك وغيرهم، يعنى: أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره.
وَتَوَكَّلْ على الله يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم. والتوكل: تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره. وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة ثم سأل غيره خلاصه، لم يخرج من حد التوكل، لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله. وفي مصاحف أهل المدينة والشام: فتوكل، وبه قرأ نافع وابن عامر، وله محملان في العطف: أن يعطف على فَقُلْ. أو فَلا تَدْعُ. عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته. ثم أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة: وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد، وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون، ويستبطن سر أمرهم، وكيف يعبدون الله، وكيف يعملون لآخرتهم، كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل، طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات وتكثير الحسنات، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع منها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة. والمراد بالساجدين: المصلون. وقيل: معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة. وتقلبه في الساجدين: تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه
(١) . شبه بطائر يرق لأفراخه ويخفض إليها جناحه رحمة لها، فاستعار خفض الجناح لذلك على سبيل التمثيل، ورشحه بقوله: «فلا تك في رفعه أجدلا» أى شبيها بالأجدل، وهو الصقر في القسوة والجفوة. أو في التكبر والترفع ويجوز أن خفض الجناح: كناية عما يلزمه من الرقة والرحمة واللين، ورفعه: كناية عن القسوة والجفوة، وبين الخفض والرفع طباق التضاد.