للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينذرهم ويحذرهم، فكيف بما هو غاية المخاوف ونهاية المحاذير، وإنكار لتعجبهم مما أنذرهم به من البعث، مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما، وعلى اختراع كل شيء وإبداعه، وإقرارهم بالنشأة الأولى، ومع شهادة العقل بأنه لا بدّ من الجزاء. ثم عوّل على أحد الإنكارين بقوله تعالى فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ، أَإِذا مِتْنا

دلالة على أن تعجبهم من البعث أدخل في الاستبعاد وأحق بالإنكار، ووضع الكافرون موضع الضمير للشهادة على أنهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم، وهذا إشارة إلى الرجع، وإذا منصوب بمضمر، معناه: أحين نموت ونبلى نرجع؟ ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ مستبعد مستنكر، كقولك:

هذا قول بعيد. وقد أبعد فلان في قوله. ومعناه: بعيد من الوهم والعادة. ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع. وهو الجواب، ويكون من كلام الله تعالى استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث، والوقف قبله على هذا التفسير حسن. وقرئ: إذا متنا، على لفظ الخبر، ومعناه:

إذا متنا بعد أن نرجع، والدال عليه ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. فإن قلت: فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع؟ قلت: ما دل عليه المنذر من المنذر به، وهو البعث

[[سورة ق (٥٠) : آية ٤]]

قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)

قَدْ عَلِمْنا ردّ لاستبعادهم الرجع، لأن من لطف علمه حتى تغلغل إلى ما تنقص الأرض من أجساد الموتى وتأكله من لحومهم وعظامهم، كان قادرا على رجعهم أحياء كما كانوا. عن النبي صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب» «١» وعن السدى ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ما يموت فيدفن في الأرض منهم كِتابٌ حَفِيظٌ محفوظ من الشياطين ومن التغير، وهو اللوح المحفوظ. أو حافظ لما أودعه وكتب فيه.

[[سورة ق (٥٠) : آية ٥]]

بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)

بَلْ كَذَّبُوا إضراب أتبع الإضراب الأوّل، للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوّة الثابتة بالمعجزات في أوّل وهلة من غير تفكر ولا تدبر فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ مضطرب. يقال: مرج الخاتم في أصبعه وجرج، فيقولون تارة:

شاعر، وتارة: ساحر، وتارة: كاهن، لا يثبتون على شيء واحد: وقرئ: لما جاءهم، بكسر اللام وما المصدرية، واللام هي التي في قولهم لخمس خلون، أى: عند مجيئه إياهم، وقيل بِالْحَقِّ:

القرآن. وقيل: الإخبار بالبعث.


(١) . متفق عليه من حديث أبى صالح عن أبى هريرة وأخرجه الحاكم من حديث أبى سعيد، وزاد «قالوا:
ما هو يا رسول الله؟ قال: هو مثل حبة الخردل، منه ينبتون» .