وأما وقد قيل وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ فهذا الكلام مستقل برأسه. ومضمونه تخصيص الانذار المأمور به بالقوم الخائفين من البعث، إما لأنهم مقرون به. وإما لأنهم يحتاطون لأنفسهم فيحملهم الخوف على النظر المقضى إلى اليقين، دون العتاة المصممين على الجحد وليس كل خائف من البعث لا شفيع له، فان الموحدين أجمعين خائفون وهم مشفوع لهم، وإن عنى باللازمة التي لا ينفك ذو الحال عنها، كالتي في قوله وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً قائما هو حينئذ يبتنى على قاعدته في إنكار الشفاعة، فكل خائف عنده لا شفيع له إذ لا يخاف إلا أصحاب الكبائر غير التائبين أو الكفار. والكل عنده سواء لا شفيع لهم. وحيث أثبتت الشفاعة، جعلها خاصة بزيادة الثواب، فلا ينالها إلا من يستوجب على زعمه الثواب بعمله الصالح، وتكون الشفاعة مفيدة للمزيد على ما يرضيه. فهذا عنده لا يخاف من البعث، لأنه يستوجب الجنة. فمن ثم جعل الحال لازمة إذ الناس قسمان: غير مخالف، فلا تتناوله الآية. وخائف، فذاك إنما خاف لأنه استوجب العقاب فلا شفاعة تناله. وهذه من دفائنه الخفية، ومكامنه المزوية، فتفطن لها، والله الموفق برحمته. [.....]