للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت وهو راض أَنْ يُبْدِلَنا قرئ بالتشديد والتخفيف إِلى رَبِّنا راغِبُونَ طالبون منه الخير راجون لعفوه كَذلِكَ الْعَذابُ مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ

أشد وأعظم منه، وسئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال: لقد كلفتنى تعبا.

وعن مجاهد: تابوا فأبدلوا خيرا منها. وروى عن ابن مسعود رضى الله عنه: بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان: فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا.

[[سورة القلم (٦٨) : آية ٣٤]]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)

عِنْدَ رَبِّهِمْ أى في الآخرة جَنَّاتِ النَّعِيمِ ليس فيها إلا التنعم الخالص، لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنان الدنيا.

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٣٥ الى ٣٩]

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩)

كان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها، فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم تكن حالهم وحالنا إلا مثل ما هي في الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا، وأقصى أمرهم أن يساوونا، فقيل: أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين. ثم قيل لهم على طريقة الالتفات «١» ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ هذا الحكم الأعوج؟ كأنّ أمر الجزاء مفوّض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أَمْ لَكُمْ كِتابٌ من السماء تَدْرُسُونَ في ذلك الكتاب أنّ ما تختارونه وتشتهونه لكم، كقوله تعالى أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ والأصل تدرسون أنّ لكم ما تخيرون، بفتح أنّ، لأنه مدروس، فلما جاءت اللام كسرت. ويجوز أن تكون حكاية للمدروس، كما هو، كقوله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ. وتخير الشيء واختاره:

أخذ خيره، ونحوه: تنخله وانتخله: إذا أخذ منخوله. لفلان علىّ يمين بكذا: إذا ضمنته منه وحلفت له «٢» على الوفاء به، يعنى: أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد


(١) . قال محمود: «هذا خطاب على وجه الالتفات لأهل مكة إذا اعتقدوا أنهم في الآخرة أكثر نعيما من المؤمنين … الخ» قال أحمد: ولما كان الدرس قولا كسرها.
(٢) . قوله «إذا ضمنته منه وحلفت له» لعله: عنه، وكذا قوله «منكم» لعله «عنكم» وفي الصحاح: ضمنته الشيء تضمينا فتضمنه عنى. (ع)