للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ يريد يا صاحبيَّ في السجن، فأضافهما إلى السجن كما تقول: يا سارق الليلة، فكما أن الليلة مسروق فيها غير مسروقة، فكذلك السجن مصحوب فيه غير مصحوب، وإنما المصحوب غيره وهو يوسف عليه السلام، ونحوه قولك لصاحبيك: يا صاحبي الصدق فتضيفهما إلى الصدق، ولا تريد أنهما صحبا الصدق، ولكن كما تقول رجلا صدق، وسميتهما صاحبين لأنهما صحباك. ويجوز أن يريد: يا ساكني السجن، كقوله أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ يريد التفرّق في العدد والتكاثر. يقول أأن تكون لكما أرباب شتى، يستعبد كما هذا ويستعبد كما هذا خَيْرٌ لكما أَمِ أن يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية، بل هو الْقَهَّارُ الغالب، وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام ما تَعْبُدُونَ خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر إِلَّا أَسْماءً يعنى أنكم سميتم ما لا يستحق الإلهية آلهة، ثم طفقتم تعبدونها، فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء فارغة لا مسميات تحتها. ومعنى سَمَّيْتُمُوها سميتم بها. يقال: سميته بزيد، وسميته زيداً ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها أى بتسميتها مِنْ سُلْطانٍ من حجة إِنِ الْحُكْمُ في أمر العبادة والدين إِلَّا لِلَّهِ ثم بين ما حكم به فقال أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الثابت الذي دلت عليه البراهين.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٤١]]

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١)

أَمَّا أَحَدُكُما يريد الشرابي فَيَسْقِي رَبَّهُ سيده. وقرأ عكرمة: فيسقى ربه، أى يسقى ما يروى به على البناء للمفعول. روى أنه قال للأوّل: ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده، وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضى في السجن، ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه، وقال للثاني: ما رأيت من السلال ثلاثة أيام ثم تخرج فتقتل قُضِيَ الْأَمْرُ قطع وتم ما تَسْتَفْتِيانِ فيه من أمر كما وشأنكما. فإن قلت: ما استفتيا في أمر واحد، بل في أمرين مختلفين، فما وجه التوحيد؟ قلت: المراد بالأمر ما اتهما به من سمّ الملك وما سجنا من أجله، وظنا أنّ ما رأياه في معنى ما نزل بهما، فكأنهما كانا يستفتيانه في الأمر الذي نزل بهما أعاقبته نجاة أم هلاك، فقال لهما: قضى الأمر الذي فيه تستفتيان، أى: ما يجرّ إليه من العاقبة، وهي هلاك أحدهما ونجاة الآخر. وقيل: جحدا وقالا: ما رأينا شيئاً، على ما روى