للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٨٤ الى ٨٥]

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)

البأس: شدّة العذاب. ومنه قوله تعالى بِعَذابٍ بَئِيسٍ. فإن قلت: أى فرق بين قوله تعالى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ وبينه لو قيل: فلم ينفعهم إيمانهم؟ قلت: هو من كان في نحو قوله ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ والمعنى: فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم «١» . فإن قلت:

كيف ترادفت هذه الفاءات؟ قلت: أما قوله تعالى فَما أَغْنى عَنْهُمْ فهو نتيجة قوله كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وأما قوله فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فجار مجرى البيان والتفسير، لقوله تعالى فَما أَغْنى عَنْهُمْ كقولك: رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء. وقوله فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا تابع لقوله فَلَمَّا جاءَتْهُمْ كأنه قال: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا، وكذلك:

فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله سُنَّتَ اللَّهِ بمنزلة وَعَدَ اللَّهُ وما أشبهه من المصادر المؤكدة. وهُنالِكَ مكان مستعار للزمان، أى: وخسروا وقت رؤية البأس، وكذلك قوله وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ بعد قوله فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ أى: وخسروا وقت مجيء أمر الله، أو وقت القضاء بالحق.

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبى ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له» «٢»


(١) . قال محمود: «فان قلت: أى فرق بين قوله: فلم يك بنفعهم إيمانهم. وبينه لو قيل: فلم بنفعهم، وأجاب بأن معنى كانَ هنا معناها في قوله ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ بمعنى: فلم يستقم ولم يصح أن ينفعهم إيمانهم، قال أحمد: كان الذي ثبت التصرف فيها بإجراء نونها مجرى حروف العلة حتى حذفت للجازم هي كانَ الكثير استعمالها، المكرر دورانها في الكلام. وأما كانَ هذه فليست كثيرة التصرف حتى يتسع فيها بالحذف، بل هي مثل: صان، وحان» في القلة، فالأولى بقاؤها على بابها المعروف، وفائدة دخولها في هذه الآية وأمثالها: المبالغة في نفى الفعل الداخلة عليه بتعديد جهتى نفيه عموما باعتبار الكون، وخصوصا باعتباره في هذه الآية مثلا، فكأنه نفى مرتين، والله أعلم.
(٢) . أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي من حديث أبى بن كعب رضى الله عنه.