للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَحَصْحَصَ فِى صُمِّ الصَّفَا ثَفَنَاتِهِ … وَنَاءَ بِسَلْمَى نَوْءَةً ثُمَّ صَمَّمَا «١»

ولا مزيد على شهادتهنّ له بالبراءة والنزاهة «٢» واعترافهنّ على أنفسهنّ بأنه لم يتعلق بشيء مما قرفنه به، لأنهنّ خصومه. وإذا اعترف الخصم بأنّ صاحبه على الحق وهو على الباطل، لم يبق لأحد مقال. وقالت المجبرة والحشوية «٣» نحن قد بقي لنا مقال، ولا بدّ لنا من أن ندق في فروة من ثبتت نزاهته.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٢]]

ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)

ذلِكَ لِيَعْلَمَ من كلام يوسف، «٤» أى ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة ليعلم العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بظهر الغيب في حرمته. ومحل بِالْغَيْبِ الحال «٥» من الفاعل أو المفعول، على معنى: وأنا غائب عنه خفى عن عينه أو وهو غائب عنى خفى عن عينى. ويجوز أن يكون ظرفا، أى بمكان الغيب، وهو الخفاء والاستتار وراء الأبواب السبعة المغلقة وَليعلم أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ لا ينفذه ولا يسدّده، وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها، وبه في خيانته أمانة الله حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه. ويجوز أن يكون تأكيداً لأمانته، وأنه لو كان خائناً لما هدى الله كيده ولا سدّده.


(١) . لحميد بن ثور يصف بعيرا بأنه ألقى في الحجارة الصلبة أعضاءه التي يبرك عليها عند الاناخة، والصم جمع صماء أو أصم أى صلب. وناء: أى قام متثاقلا بسلمى محبوبتى نوأة ونهضة واحدة لم يتردد، ثم صمم وعزم على السير. وروى أن سمرة بن جندب أتى برجل عنين، فاشترى له جارية من بيت المال وأدخلها معه ليلة، فلما أصبح قال له: ما صنعت؟ قال: فعلت حتى حصحصت فيه، فسألها فقالت: لم يصنع شيئا. فقال: دخل سبيلها.
(٢) . قال محمود: «لا مزيد على شهادتهن له بالبراءة واعترافهن على أنفسهن … الخ» قال أحمد: الصحيح من مذاهب أهل السنة تنزيه الأنبياء عن الكبائر والصغائر جميعا، وتتبع الآي المشعرة بوقوع الصغائر بالتأويل. وذهب منهم طائفة مع القدرية إلى تجويز الصغائر عليهم، بشرط أن لا تكون منفرة. والصحيح عندنا في قصة يوسف عليه السلام أنه مبرأ عن الوقوع فيما يؤاخذ به، وإن الوقف عند قوله هَمَّتْ بِهِ ثم يبتدأ وَهَمَّ بِها. لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كما تقول. قتلت زيداً لولا أننى أخاف الله، فلا يكون الهم واقعا لوجود المانع منه، وهو رؤية البرهان. فان كان الزمخشري يعرض بأهل السنة فقد بينا معتقدهم، وإن كان يعرض بالمجبرة والحشوية حقيقة، فشأنه وإياهم.
(٣) . قوله و «قالت المجبرة والحشوية نحن قد بقي لنا مقال ولا بد لنا من أن ندق في فروة» يريد أهل السنة وقوله نحن قد بقي لنا الخ يعنى أن حالهم في تفسير الهم والبرهان يمثل بذلك. والفروة: جلدة الرأس. (ع)
(٤) . عاد كلامه. قال: «وقوله ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ الخ: من كلام يوسف عليه السلام والمعنى أن ذلك الجد في ظهور البراءة ليعلم … الخ» قال أحمد: وإرادته لعموم الأحوال أدخل في تنزيهه، وأدل على أن الغرض بهذا الكلام التواضع منه والتبري من تزكية النفس، فهو أدل على هذا المعنى من حمله على الحادثة الخاصة والله أعلم.
(٥) . قوله «ومحل بالغيب الحال من الفاعل» لعله محل الحال أو النصب على الحال. (ع)