للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم.

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ١٨]]

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)

هو مبتدأ محذوف الخبر عند سيبويه، تقديره: وفيما يقص عليك مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم؟ فقيل: أعمالهم كرماد. ويجوز أن يكون المعنى: مثل أعمال الذين كفروا بربهم. أو هذه الجملة خبرا للمبتدإ، أى صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد، كقولك صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول، أو يكون أعمالهم بدلا من مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا على تقدير: مثل أعمالهم، وكرماد: الخبر. وقرئ: الرياح فِي يَوْمٍ عاصِفٍ جعل العصف لليوم، وهو لما فيه، وهو الريح أو الرياح، كقولك: يوم ماطر وليلة ساكرة. وإنما السكور لريحها «١» وقرئ: في يوم عاصف، بالإضافة. وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم، من صلة الأرحام وعتق الرقاب، وفداء الأسارى، وعقر الإبل للأضياف، وإغاثة الملهوفين، والإجازة، وغير ذلك من صنائعهم، شبهها في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان به، وكونها لوجهه: برماد طيرته الريح العاصف لا يَقْدِرُونَ يوم القيامة مِمَّا كَسَبُوا من أعمالهم عَلى شَيْءٍ أى لا يرون له أثرا من ثواب، كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شيء ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب بِالْحَقِّ بالحكمة والغرض الصحيح «٢» والأمر العظيم، ولم يخلقها عبثا ولا شهوة

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٩ الى ٢٠]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)

وقرئ: خالق السموات والأرض إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أى هو قادر على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم، إعلاما منه باقتداره على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم، يقدر على الشيء وجنس ضده وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ بمتعذر،


(١) . قوله «وإنما السكور لريحها» في الصحاح: سكرت الريح، تسكر سكورا: سكنت بعد الهبوب. (ع)
(٢) . قال محمود: «معناه خلقها بالحكمة والغرض الصحيح … الخ» قال أحمد: وهذا من اعتزاله الخفي وقد تقدمت أمثاله.