للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهابوه الْحِكْمَةَ الزبور وعلم الشرائع. وقيل: كل كلام وافق الحق فهو حكمة. الفصل: التمييز بين الشيئين. وقيل للكلام البين: فصل، بمعنى المفصول كضرب الأمير، لأنهم قالوا: كلام ملتبس، وفي كلامه لبس. والملتبس: المختلط، فقيل في نقيضه: فصل، أى مفصول بعضه من بعض، فمعنى فصل الخطاب: البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه، ومن فصل الخطاب وملخصه: أن لا يخطئ صاحبه مظانّ الفصل والوصل، فلا يقف في كلمة الشهادة على المستثنى منه، ولا يتلو قوله فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ إلا موصولا بما بعده، ولا وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ حتى يصله بقوله لا تَعْلَمُونَ ونحو ذلك، وكذلك مظانّ العطف وتركه، والإضمار والإظهار والحذف والتكرار، وإن شئت كان الفصل بمعنى الفاصل، كالصوم والزور، وأردت بفصل الخطاب: الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والصواب والخطأ، وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات. وعن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. هو قوله: البينة على المدّعى واليمين على المدّعى عليه، وهو من الفصل بين الحق والباطل، ويدخل فيه قول بعضهم: هو قوله «أمّا بعد» لأنه يفتتح إذا تكلم في الأمر الذي له شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه: فصل بينه وبين ذكر الله بقوله: أمّا بعد. ويجوز أن يراد الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخلّ ولا إشباع مملّ. ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل لا نذر ولا هذر «١» .

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢)

كان أهل زمان داود عليه السلام يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته، فيتزوّجها إذا أعجبته وكانت لهم عادة في المواساة بذلك قد اعتادوها. وقد روينا أن الأنصار كانوا يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أن عين داود وقعت على امرأة رجل يقال له أوريا، فأحبها، فسأله النزول له عنها، فاستحيا أن يردّه، ففعل، فتزوّجها وهي أمّ سليمان، فقيل له: إنك مع عظم منزلتك وارتفاع مرتبتك وكبر شأنك وكثرة نسائك: لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر


(١) . هو حديث أم معيد. وقد تقدم في سورة الأعراف، وفي الأدب لأبى داود من حديث عائشة «كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمه من سمعه» .