للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أى صوّركم لنفسه ولتعبده، كقولك: أثلت مالا، إذا جعلته أثلة، أى أصلا. وتأثلته، إذا أثلته لنفسك. وعن سعيد بن جبير: هذا حجاج على من زعم أنّ عيسى كان ربا، كأنه نبه بكونه مصورا في الرحم، على أنه عبد كغيره، وكان يخفى عليه ما لا يخفى على اللَّه.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٧]]

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧)

مُحْكَماتٌ أحكمت عبارتها «١» بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه مُتَشابِهاتٌ مشتبهات


(١) . قال محمود: «المحكمات التي أحكمت عبارتها … الخ» قال أحمد: هذا كما قدمته عنه من تكلفه لتنزيل الآي على وفق ما يعتقده، وأعوذ باللَّه من جعل القرآن تبعاً للرأى. وذلك أن معتقده إحالة رؤية اللَّه تعالى بناء على زعم القدرية من أن الرؤية تستلزم الجسمية والجهة، فإذا ورد عليهم النص القاطع الدال على وقوع الرؤية كقوله: (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) مالوا إلى جعله من المتشابه حتى يردوه بزعمهم إلى الآية التي يدعون أن ظاهرها يوافق رأيهم.
والآية قوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وغرضنا الآن بيان وجوب الجمع بين الآيتين على الوجه الحق، فنقول:
محمل قوله: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) في دار الدنيا. ومحمل الرؤية على الدار الآخرة جمعا بين الأدلة. أو نقول:
الأبصار وإن كانت ظاهرة العموم إلا أن المراد بها الخصوص، أى لا تدركه أبصار الكفار كقوله: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ونقول: لا تعارض بين الآيتين، فنقر كل واحدة منها في نصابها. وبيان ذلك: أن الأبصار عام بالألف واللام الجنسيتين، ولا يتم غرض القدرية على زعمهم إلا بالموافقة على عمومها، وحينئذ يكون في العموم مرادفة لدخول كل، لأن كليهما أعنى المعرف والجنسي، وكلا يفيد الشمول والاحاطة، وإذا أثبت ذلك فالسلب داخل على الكلية. والقواعد مستقرة على أن سلب الكلية جزئى لغة وتعقلا. ألا ترى أن القائل إذا قال:
لا تنفق كل الدراهم، كان المفهوم من ذلك الاذن في إنفاق البعض والنهى عن إنفاق البعض، ومن حيث المعقول أن الكلية تسلب بسلب بعض الأفراد ولو واحداً، وحينئذ يكون مقتضى الآية سلب الرؤية عن بعض الأبصار وثبوتها لبعض الأبصار، وهذا عين مذهب أهل السنة، لأنهم يثبتونها للموحدين ويسلبونها عن الكفار كما أنبأ عنه قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) فقد ثبت أن هذه الآية إما محمولة على إثبات الرؤية، وإما باقية على ظاهرها، دليلا على ثبوتها على وفق السنة. ولا يقال قد ثبت الفرق بين دخول كل على المعرف تعريف الجنس وبين عدم دخولها. ألا ترى أنهم يقولون إن قولنا: «الإنسان كاتب» مهمل في قوة الجزئية، وإن قولنا «كل إنسان حيوان» كلى لا جزئى، لأنا نقول إنما جارينا القدرية على ما يلزمهم الموافقة فيه، وهم قد وافقوا على تناول الأبصار لكل واحد واحد من أفراد الجنس، ولولا ذلك لما تم لهم مرام، ولكفونا مؤنة البحث في ذلك، وهذا القدر من الكلية المتفق عليها بين الفريقين لا يثبت لما سماه أهل ذلك الفن مهملا، بل هذا هو الكلى عندهم واللَّه الموفق. وأما الآيتان الأخريان اللتان إحداهما قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) والأخرى التي هي قوله تعالى: (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها)
فلا ينازع الزمخشري في تمثيل المحكم والمتشابه بهما.