وبيس على تخفيف بيس، كهين في هين. وبائس على فاعل فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ فلما تكبروا عن ترك ما نهوا عنه، كقوله وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً عبارة عن مسخهم قردة، كقوله إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ والمعنى: أنّ الله تعالى عذبهم أوّلا بعذاب شديد، فعتوا بعد ذلك فمسخهم. وقيل: فلما عتوا، تكرير لقوله فَلَمَّا نَسُوا والعذاب البئيس: هو المسخ.
تَأَذَّنَ رَبُّكَ عزم ربك، وهو تفعل من الإيذان وهو الإعلام، لأنّ العازم على الأمر يحدّث نفسه به ويؤذنها بفعله، وأجرى مجرى فعل القسم، كعلم الله، وشهد الله. ولذلك أجيب بما يجاب به القسم وهو قوله لَيَبْعَثَنَّ والمعنى: وإذ حتم ربك وكتب على نفسه ليبعثنَّ على اليهود إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ فكانوا يؤدّون الجزية إلى المجوس، إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم، فلا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر. ومعنى ليبعثنّ عليهم ليسلطنّ عليهم، كقوله: بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد.
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً وفرقناهم فيها، فلا يكاد يخلو بلد من فرقة منهم مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ الذين آمنوا منهم بالمدينة، أو الذين وراء الصين وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه، وهم الكفرة والفسقة. فإن قلت: ما محل دون ذلك؟ قلت:
الرفع، وهو صفة لموصوف محذوف، معناه: ومنهم ناس منحطون عن الصلاح، ونحوه وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ بمعنى: وما منا أحد إلا له مقام وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ بالنعم والنقم لَعَلَّهُمْ ينتهون فينيبون فَخَلَفَ من بعد المذكورين خَلْفٌ وهم الذين كانوا في زمن رسول الله