ومعناه: أنه حين وجد آدم ضعيف العزم قد أصغى إلى وسوسته قال: إنّ ذرّيته أضعف عزما منه، فظنّ بهم اتباعه وقال: لأضلنهم، لأغوينهم. وقيل: ظنّ ذلك عند إخبار الله تعالى الملائكة أنه يجعل فيها من يفسد فيها. والضمير في عَلَيْهِمْ وفَاتَّبَعُوهُ إمّا لأهل سبأ، أو لبنى آدم. وقلل المؤمنين بقوله إِلَّا فَرِيقاً لأنهم قليل بالإضافة إلى الكفار، كما قال لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ. وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ من تسليط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء إلا لغرض صحيح وحكمة بينة، وذلك أن يتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها، وعلل التسليط بالعلم والمراد ما تعلق به العلم. وقرئ: ليعلم على البناء للمفعول حَفِيظٌ محافظ عليه، وفعيل ومفاعل: متآخيان.
قُلِ لمشركي قومك ادْعُوا الَّذِينَ عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه كما تدعون الله، والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون إليه، وانتظروا استجابتهم لدعائكم ورحمتهم كما تنتظرون أن يستجيب لكم ويرحمكم، ثم أجاب عنهم بقوله لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ من خير أو شر، أو نفع أو ضر فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك، كقوله تعالى ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وماله منهم من عوين يعينه على تدبير خلقه، يريد: أنهم على هذه الصفة من العجز والبعد عن أحوال الربوبية، فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى، فإن قلت: أين مفعولا زعم؟
«قلت» : أحدهما الضمير المحذوف الراجع منه إلى الموصول. وأمّا الثاني فلا يخلو إمّا أن يكون مِنْ دُونِ اللَّهِ أو لا يَمْلِكُونَ أو محذوفا فلا يصح الأول، لأنّ قولك: هم من دون الله، لا يلتئم كلاما، ولا الثاني، لأنهم ما كانوا يزعمون ذلك، فكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم، وبما لو قالوه قالوا ما هو حق وتوحيد؟ فبقى أن يكون محذوفا تقديره: زعمتموهم آلهة من دون الله فحذف الراجع إلى الموصول كما حذف في قوله أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا استخفافا، لطول الموصول لصلته، وحذف آلهة لأنه موصوف صفته مِنْ دُونِ اللَّهِ والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوما، فإذا مفعولا زعم محذوفان جميعا بسببين مختلفين.