لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)
الوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه، أى لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود. وهذا إخبار عن عدله ورحمته كقوله تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلى أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من الشهر، ويحج أكثر من حجة. وقرأ ابن أبى عبلة وسعها بالفتح لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر، لا يؤاخذ بذنبها غيرها ولا يثاب غيرها بطاعتها. فإن قلت: لم خص الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ قلت: في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمّارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه. ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال. أى لا تؤاخذنا بالنسيان أو الخطأ إن فرط منا. فإن قلت: النسيان والخطأ متجاوز عنهما، فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة بهما؟ «١» قلت: ذكر النسيان والخطأ والمراد بهما ما هما مسببان عنه من التفريط والإغفال. ألا ترى إلى قوله:(وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) والشيطان لا يقدر على فعل النسيان، وإنما يوسوس فتكون وسوسته سبباً للتفريط الذي منه النسيان، ولأنهم كانوا متقين اللَّه حق تقاته، فما كانت تفرط منهم فرطة إلا على وجه النسيان والخطأ، فكان وصفهم بالدعاء بذلك إيذاناً ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به، كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به، فما فيهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان. ويجوز أن يدعو الإنسان بما
(١) . قال محمود: «فان قلت النسيان والخطأ متجاوز عنهما … الخ» قال أحمد: ولا ورود لهذا السؤال على قواعد أهل السنة، لأنا نقول: إنما ارتفعت المؤاخذة بهذين بالسمع كقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان» وإذا كان كذلك فلعل رفع المؤاخذة بهما كان إجابة لهذه الدعوة، فقد نقل أن اللَّه تعالى قال عند كل دعوة منها: قد فعلت. وإنما التزم الزمخشري ورود السؤال على قواعد القدرية الذاهبين إلى استحالة المؤاخذة بالخطإ والنسيان عقلا، لأنه من تكليف ما لا يطيق، وهو المستحيل عندهم تفريعا على قاعدة التحسين والتقبيح، وكلها قواعد باطلة ومذاهب ماحلة. فاللَّه تعالى يجعل لنا من إجابة هذه الدعوات أوفر نصيب، ويلهمنا المعتقد الحق والقول المصيب، إنه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.