والإسلام أمر عام يتناول أمم الأنبياء ومتبعيهم كما يتناولهم. ألا ترى أنه لا يحسن في مدح النبي أن يقتصر على كونه رجلا مسلما فان أقل متبعيه كذلك. فالوجه واللَّه أعلم أن الصفة قد تذكر للعظم في نفسها ولينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر، كما يكون تنويها بقدر موصوفها. فالحاصل أنه كما يراد إعظام الموصوف بالصفة العظيمة، قد يراد إعظام الصفة بعظم موصوفها. وعلى هذا الأسلوب جرى وصف الأنبياء بالصلاح في قوله تعالى: (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) وأمثاله، تنويهاً بمقدار الصلاح إذ جعل صفة الأنبياء وبعثا لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته، وكذلك قيل في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) فأخبر عن الملائكة المقربين بالايمان تعظيما لقدر الايمان، وبعثا للبشر على الدخول فيه ليساووا الملائكة المقربين في هذه الصفة، وإلا فمن المعلوم أن الملائكة مؤمنين ليس إلا، ولهذا قال: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعنى من البشر لثبوت حق الاخوة في الايمان بين الطائفتين، فكذلك- واللَّه أعلم- جرى وصف الأنبياء في هذه الآية بالإسلام تنويهاً به. ولقد أحسن القائل في أوصاف الأشراف، والناظم في مدحه عليه الصلاة والسلام فلئن مدحت محمداً بقصيدتي … فلقد مدحت قصيدتي بمحمد والإسلام وإن كان من أشرف الأوصاف إذ حاصله معرفة اللَّه تعالى بما يجب له ويستحيل عليه ويجوز في حقه، إلا أن النبوة أشرف وأجل، لاشتمالها على عموم الإسلام مع خواص المواهب التي لا تسعها العبارة، فلو لم نذهب إلى الفائدة المذكورة في ذكر الإسلام بعد النبوة في سياق المدح، لخرجنا عن قانون البلاغة المألوف في الكتاب العزيز، وفي كلام العرب الفصيح، وهو الترقي من الأدنى إلى الأعلى لا النزول على العكس. ألا ترى أبا الطيب كيف تزحزح عن هذا المهيع في قوله: شمس ضحاها هلال ليلتها … در تقاصيرها زبرجدها فنزل عن الشمس إلى الهلال. وعن الدر إلى الزبرجد، في سياق المدح، فمضغت الألسن عرض بلاغته، ومزقت أديم صيغته. فعلينا أن نتدبر الآيات المعجزات، حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوها في البلاغة المعهود لها، واللَّه الموفق للصواب.