للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة نوح (٧١) : الآيات ٢١ الى ٢٤]

قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤)

وَاتَّبَعُوا رؤسهم المقدمين أصحاب الأموال والأولاد، وارتسموا ما رسموا لهم من التمسك بعبادة الأصنام، وجعل أموالهم وأولادهم التي لم تزدهم إلا وجاهة ومنفعة في الدنيا زائدة خَساراً في الآخرة، وأجرى ذلك مجرى صفة لازمة لهم وسمة يعرفون بها، تحقيقا له وتثبيتا، وإبطالا لما سواه. وقرئ: وولده بضم الواو وكسرها وَمَكَرُوا معطوف على لم يزده، وجمع الضمير وهو راجع إلى من، لأنه في معنى الجمع والماكرون: هم الرؤساء.

ومكرهم: احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح، وتحريش الناس على أذاه، وصدّهم عن الميل إليه والاستماع منه. وقولهم لهم: لا تذرون آلهتكم إلى عبادة رب نوح مَكْراً كُبَّاراً قرئ بالتخفيف والتثقيل. والكبار: أكبر من الكبير. والكبار: أكبر من الكبار، ونحوه: طوال وطوّال وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا كأن هذه المسميات كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، فخصوها بعد قولهم لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وقد انتقلت هذه الأصنام عن قوم نوح إلى العرب، فكان ودّ لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير، ولذلك سمت العرب بعبد ودّ وعبد يغوث. وقيل هي أسماء رجال صالحين. وقيل: من أولاد آدم ماتوا، فقال إبليس لمن بعدهم: لو صورتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم، ففعلوا، فلما مات أولئك قال لمن بعدهم:

إنهم كانوا يعبدونهم، فعبدوهم. وقيل: كان ودّ على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر. وقرئ: ودّا، بضم الواو. وقرأ الأعمش: ولا يغوثا ويعوقا، بالصرف، وهذه قراءة مشكلة، لأنهما إن كانا عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف: إما التعريف ووزن الفعل، وإما التعريف والعجمة، ولعله قصد الازدواج فصرفهما، لمصادفته أخواتهما منصرفات ودا وسواعا ونسرا، كما قرئ:

وضحاها بالإمالة، لوقوعه مع الممالات للازدواج وَقَدْ أَضَلُّوا الضمير للرؤساء. ومعناه:

وقد أضلوا كَثِيراً قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام ليسوا بأوّل من أضلوهم. أو وقد أضلوا بإضلالهم كثيرا، يعنى أنّ هؤلاء المضلين فيهم كثرة. ويجوز أن يكون للأصنام، كقوله تعالى إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ. فإن قلت: علام عطف قوله